سياسة

فرنسا تُعلن الحرب الشاملة ضد "الإخوان"

نشر
Bouchra Kachoub
في أحد أندية كرة القدم بضاحية باريس، وقف مدرب شاب أمام مجموعة من الأطفال قبيل بداية الحصة التدريبية، وبدلاً من الحديث عن الخطط التكتيكية أو اللياقة البدنية، بدأ بدعاء جماعي. وداخل غرفة تغيير الملابس، لُوحظ تعليق لافتة كُتب عليها: "الطريق إلى الله يمر عبر الطاعة"، وفقاً لصحيفة لوفيغارو.
لم يكن المشهد غريباً بالنسبة لبعض اللاعبين، لكنه كان بمثابة ناقوس خطر لأحد أولياء الأمور، الذي سارع إلى تقديم شكوى تحولت إلى تحقيق أمني، كشف لاحقاً عن شبكة منظمة تابعة لتنظيم "الإخوان" اخترقت أندية رياضية فرنسية، وفقاً لصحيفة لوفيغارو.

اختراق من الداخل

هذا المشهد، كما يشير تقرير استخباراتي فرنسي حديث، لا يُعد حالة فردية بل يندرج ضمن نمط أوسع من التغلغل المؤسسي، حيث بات تنظيم "الإخوان" يوسّع نفوذه داخل المجتمع الفرنسي عبر الأندية الرياضية والجمعيات الثقافية وحتى محاولات الوصول إلى الإدارات العامة، وفقاً لتقرير آخر نشرته صحيفة لوفيغارو.
وبعد عقود من "المراقبة الصامتة"، قررت الدولة الفرنسية الانتقال إلى "حرب على كافة الجبهات" مع تنظيم الإخوان في فرنسا، ووصفت التنظيم في تقرير رسمي بأنه "سري، متخفٍّ، ويهدف إلى تقويض الجمهورية من الداخل" من خلال استراتيجية "التمكين الناعم" التي تستغل الغموض القانوني وهامش الحريات داخل الدولة العلمانية، وفقاً لصحيفة لوفيغارو.

خطة مواجهة "المدّ الهادئ"

أمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء، الحكومة بوضع مقترحات للتعامل مع تأثير جماعة الإخوان وانتشارها في فرنسا، بحسب ما أفاد الإليزيه.
جاء إعلان الرئاسة الفرنسية بعدما ترأس ماكرون اجتماعا أمنيا لدراسة تقرير يحذّر من الإخوان ويقول إن الجماعة تشكّل "تهديدا للتماسك الوطني" في فرنسا.
وأفاد قصر الإليزيه "نظرا إلى أهمية المسألة وخطورة الوقائع التي تم التحقق منها، طلب من الحكومة وضع مقترحات ستجري دراستها في اجتماع مجلس الدفاع المقبل مطلع يونيو".
وتركّز الدولة على ما تسميه بـ"المد الهادئ" داخل الأحياء والمرافق العامة، وتسعى إلى تجفيف منابع التمويل الأجنبي للجماعة.
ونقلت الصحيفة عن وزير الداخلية، برونو ريتايو، أن التقرير يكشف "تهديداً حقيقياً للجمهورية الفرنسية"، مؤكداً أن "الجماعة تسعى لتفكيك النسيج الوطني"، ما يمثل "تناقضاً جذرياً مع قيم الجمهورية"، وفقاً لصحيفة لوفيغارو.

فرنسا تُعلن الحرب الشاملة ضد "الإخوان" (أ.ب)

وتعرب السلطات عن قلق خاص إزاء النشاط المتزايد للجماعة داخل المجال الرياضي، حيث رُصد وجود 127 جمعية رياضية، بعضها يضم أكثر من 65 ألف عضو، تربطها صلات بحركات إخوانية، ويتم من خلالها تمرير رسائل دينية وأيديولوجية. وتتركز هذه الأنشطة في أندية كرة القدم والسلة والفنون القتالية، حيث تُفرض أحياناً قيود على اللباس والسلوكيات، وفقاً لصحيفة لوفيغارو.
ويشير التقرير إلى أن بعض الاتحادات الرياضية المحلية تتساهل مع هذه المظاهر، وتفضل ما تسميه بـ"النهج التربوي" على التعاون مع الدولة، ما يخلق مناطق رمادية تمهّد لنشوء كيانات موازية داخل الجمهورية، وفقاً لصحيفة لوفيغارو.

خطوة نادرة

في خطوة نادرة، قرر ماكرون أيضا نشر التقرير علنا بحلول نهاية الأسبوع. وحصلت فرانس برس على نسخة من التقرير الثلاثاء.
وقال قصر الإليزيه إنه سيتم الإعلان عن بعض الإجراءات بينما ستبقى أخرى سريّة.
وأعد التقرير بشأن الجماعة التي تأسست في عام 1928 موظفان رسميان رفيعان بتكليف من الحكومة.
وقال الإليزيه قبيل الاجتماع إن التقرير يحدد بوضوح الطبيعة المناهضة للجمهورية والتخريبية للإخوان ويقترح "طرقا للتعامل مع هذا التهديد".

معركة على إدارة المساجد

أما في ما يتعلق بالبنية الدينية، فقد كشف التقرير المؤلف من 73 صفحة عن انتشار شبكة متكاملة من أماكن العبادة المرتبطة بتنظيم "الإخوان".
ويشير إلى أن 139 مكاناً للعبادة تابع لمنظمة "مسلمو فرنسا"، التي تُعد الواجهة الأساسية للتنظيم في البلاد، تم تحديدها على الأراضي الفرنسية، بالإضافة إلى 68 منشأة أخرى تعتبر مقرّبة من نفس الاتحاد، موزعة على 55 مقاطعة.
وتشكل هذه الأماكن مجتمعة نحو 7% من إجمالي 2800 مكان عبادة للمسلمين في فرنسا، وترتفع النسبة إلى 10% من المساجد التي فُتحت بين عامي 2010 و2020 (45 من أصل 447)، ما يعكس هيمنة تنظيمية مهيكلة، وفقاً لصحيفة لوفيغارو.
الرئيس ماكرون، الذي سبق أن اتخذ موقفاً متشدداً عقب مقتل المدرّس صامويل باتي في 2020، يبدو الآن أكثر تصميماً على التصعيد، ويدفع نحو خطة "تطهير مؤسساتية" قد تشمل تجميد أصول جمعيات، منع تحويل الأموال للخارج، وتكثيف الرقابة القضائية، كما حصل في حالة جمعية "بركة سيتي" التي حوّلت أموالها إلى بريطانيا قبل حلها، وفقاً لصحيفة لوفيغارو.

فرنسا تُعلن الحرب الشاملة ضد "الإخوان" (أ.ب)

منذ أغسطس 2021، نفذت الدولة الفرنسية أكثر من 10 آلاف عملية تفتيش، أدت إلى إغلاق 741 مؤسسة دينية وتعليمية وتجارية واجتماعية، واسترداد 12 مليون يورو لصالح الخزينة، إضافة إلى مئات الملفات المحالة للقضاء، وفقاً لصحيفة لوفيغارو.

فرنسا في مفترق طرق

ورغم هذه الجهود، يعترف التقرير بوجود تردد داخل بعض مؤسسات الدولة في المواجهة الصريحة، خشية الاتهام بـ"الإسلاموفوبيا"، وهو ما يعتبره التقرير سبباً في ضعف فعالية الإجراءات المتخذة حتى الآن، وفقاً لصحيفة لوفيغارو.
ويطالب التقرير بتوفير تقارير دورية للبرلمان عن "التهديدات الأمنية"، ويقترح مراجعة قوانين مثل "تنظيم المقابر الإسلامية" وسياسة تعليم اللغة العربية، التي يرى البعض أنها أداة تهدئة، بينما يعتبرها آخرون مدخلاً للاختراق العقائدي، وفقاً لصحيفة لوفيغارو.
وفي الخلفية، يظهر السياق الدولي حاضراً، إذ يشير التقرير إلى تأثير الحرب في غزة منذ أكتوبر 2023، حيث استغل تنظيم "الإخوان" تداعياتها العاطفية لدى الشباب المسلم في فرنسا لتعزيز خطاب المظلومية وتغذية مشاعر الانفصال عن الدولة، وفقاً للصحيفة.
وخلص التقرير إلى أنه "إذا لم تُرسل الدولة إشارات قوية وواضحة، فإن من يشتغلون بصمت تحت السطح، سيستمرون في إعادة تشكيل المجتمع وفق تصوراتهم، وليس وفق ما تريده الجمهورية".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة