تعيين دافيد زيني رئيساً للشاباك.. جدل يهدد ثوابت الأمن الإسرائيلي
رغم عاصفة الاعتراضات غير المسبوقة، صادقت لجنة حكومية إسرائيلية، الخميس، بالإجماع على تعيين الجنرال الإسرائيلي السابق، دافيد زيني، رئيساً لجهاز "الشاباك" الداخلي، بعد أن قدّمه بنيامين نتنياهو كمرشحه المفضّل للمنصب.
وفتح قرار المصادقة الطريق أمام شخصية مثيرة للجدل، وُصفت في صحيفة
لوفيغارو بـ"مستوطن، متديّن متشدد، ومن دون خبرة استخباراتية"، وهو ما غذّى المخاوف من أن يتحول الجهاز إلى أداة سياسية في يدّ نتنياهو.
هذه المخاوف لم تقتصر على الصحافة الأجنبية، بل عبّر عنها ٤ من قادة "الشاباك" السابقين برسالة تحذيرية رسمية، سبقتها عريضة وقّعها أكثر من 260 مسؤولاً سابقاً في الجهاز، في مشهد غير مألوف داخل مؤسسة اشتهرت بتكتّمها، وفق صحيفة
يديعوت أحرنوت.
لم تُخفِ لجنة المصادقة، ورغم منحها الضوء الأخضر، قلقها، مشيرة إلى وجود حالات طلب فيها نتنياهو من قادة الشاباك تنفيذ مهام "لا تليق بدولة ديمقراطية"، حسب تعبيرهم.
وصلت التحذيرات إلى حدّ الحديث عن "ضرر لا يمكن إصلاحه لأجيال مقبلة"، حسب ما نقلته صحيفة
هآرتس، وهو ما يجعل تعيين زيني حدثاً يعكس عمق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي حول مستقبل الأمن والديمقراطية.
مسار التعيين المثير للجدل
تعكس قصة عرض المنصب على زيني بحدّ ذاتها عمق الإشكالية، فبحسب ما كشفته صحيفة هآرتس، جرى اقتراح المنصب خلال لقاء غير رسمي مع نتنياهو داخل مركبة دورية عسكرية، بينما كان زيني لا يزال ضابطاً في الخدمة.
لم يُبلِغ رئيس الأركان، إيال زمير، بالعرض، الأمر الذي اعتُبر تجاوزاً صارخاً للتسلسل العسكري. ودفع هذا السلوك زمير لاحقاً إلى إنهاء خدمته في الجيش، لكنه مع ذلك قدّم له التهنئة بعد تثبيت التعيين، مؤكداً أنّه سيتعاون معه "بروح مسؤولة".
علّق المدير الأسبق للشاباك نداف أرغمان قائلاً إن الطريقة التي عُرض بها المنصب "تنتهك كلّ ما يمكن توقعه من تعيين بهذه الحساسية"، مضيفاً أن إخفاء الأمر عن رئيس الأركان يثير تساؤلات عن مستقبل التنسيق بين الشاباك والجيش.
اعتراضات غير مسبوقة من داخل الجهاز
لم يقتصر الجدل على الأوساط السياسية أو الإعلامية، بل وصل إلى قلب المؤسسة الأمنية نفسها. ٤ من المديرين السابقين للشاباك، نداف أرغمان، آمي أيالون، يورام كوهين وكارمي غيلون، وجّهوا رسالة رسمية إلى لجنة غرونيس المكلفة بالبتّ في التعيينات الأمنية، محذرين من أنّ الخطوة قد تُلحق "ضرراً لا يمكن إصلاحه بأمن إسرائيل لأجيال مقبلة".
قبلها بيوم واحد فقط، وقّع أكثر من 260 مسؤولاً سابقاً في الجهاز على عريضة مماثلة، في حركة احتجاج وُصفت بأنّها غير مسبوقة داخل مؤسسة اعتادت إخفاء خلافاتها عن العلن.
في انتقادهم، ركّز المعارضون على ٣ محاور، وهي افتقاره لأيّ خبرة استخباراتية، ولاؤه السياسي لنتنياهو، وانتماؤه الفكري إلى أقصى اليمين الديني.
ولخّصت صحيفة لوفيغارو الفرنسية الصورة بقولها: "مستعمر، متديّن متشدد، ومن دون خبرة في عالم الاستخبارات.. تعيينه يثير الخشية من تحويل الجهاز إلى أداة سياسية".
احتجاجات في الشارع الإسرائيلي
لم يثر التعيين اعتراض القيادات السابقة فحسب، بل فجّر موجة غضب شعبي أيضاً، إذ احتشد عشرات المتظاهرين المناهضين للحكومة أمام مدرسة "يشيفات هار همور" في القدس الشرقية، وهي المدرسة الدينية التي درس فيها زيني، للتنديد بتعيينه. رفعوا لافتات تصفه بـ"المرشح غير الشرعي"، وطالبوا المحكمة العليا بإبطال القرار، بحجة أن مواقفه المتطرفة يجب أن تمنعه من قيادة جهاز بهذا الحجم.
قال أحد المتظاهرين، مَتَنئيل سيخانوفسكي، لصحيفة
تايمز أوف إسرائيل إنّ "هناك شروطاً أساسية يجب أن تتوفر في أي حارس بوابة، وزيني لا يملكها"، متهماً إيّاه باعتناق "أيديولوجيا متطرفة مرتبطة بحزب يروّج لكراهية المثليين وتفوّق اليهود".
في مشهد يعكس الانقسام المجتمعي، قام بعض طلاب اليشيفا بسكب المياه على المحتجين من الطوابق العليا، لكن هؤلاء بقوا صامدين على الدرجات المؤدية إلى المبنى.
بين القانون والولاء السياسي
لم تُخفِ اللجنة التي صادقت في النهاية على التعيين قلقها من هذه الاعتبارات. وفي لهجة تحذيرية، شددت على أن تبعية رئيس الجهاز لرئيس الحكومة لا تعني تخليه عن التزامه بالقانون. من جهته، سعى زيني إلى طمأنة الرأي العام، مؤكداً أنه "ملتزم بالقانون" نافياً أن يكون قد قال لنتنياهو إن ولاءه له يتجاوز الشرعية القانونية، وفقا لموقع
Jfeed.