مولدوفا.. طريق إلى أوروبا أم ظلّ موسكو؟
بين بلدٍ صغيرٍ وخريطةٍ جيوسياسيةٍ صلبة، جاءت انتخابات مولدوفا الأخيرة لتفتح سؤالًا أكبر من حدودها: هل يذوب الصراع المجمّد في ترانسنيستريا أم تتجدد برودته على إيقاع شدّ الحبال بين بروكسل وموسكو؟
أظهرت النتائج تقدّمًا حاسمًا لحزب "العمل والتضامن" الموالي لأوروبا، فيما سجّل مراقبون أوروبيون أنّ الاقتراع جرى وسط "تهديدات هجينة" ومحاولات تأثير خارجي غير مسبوقة، ما يضع كيشيناو أمام اختبارٍ مزدوج: تثبيت الخيار الأوروبي وإدارة ملف ترانسنيستريا حيث تتموضع قوات روسية ومصالح محلية متشعّبة.
هذا المشهد أعاد طرح مسارٍ مركّبٍ يجمع السياسة وبنية الاقتصاد المحلي، مع حديثٍ عن نافذة دبلوماسية محتملة في 2026 ودعواتٍ لدورٍ أميركي يوازن الحوافز والضغوط.
حصل حزب "العمل والتضامن" على أغلبية مطلقة بلغت 55 مقعدًا من أصل 101، في نتيجةٍ وصفَتها ذا ناشيونال إنترست بالمفاجِئة وبأنّها تعزّز المسار الموالي لأوروبا بقيادة الرئيسة مايا ساندو، وربطت الفوز بسؤال أوسع حول مصير ترانسنيستريا ومستقبل علاقات كيشيناو بالاتحاد الأوروبي، وفق ذا ناشيونال إنترست.
وفي قراءةٍ ميدانية، ذكرت RFI أنّ الحزب نال 50.2% من الأصوات مقابل 24.18% لـ"الكتلة الوطنية" الموالية لروسيا، مع مشاركةٍ بلغت 1,578,730 ناخبًا وتقييمٍ بأن يوم الاقتراع كان "سلسًا ومنظمًا" بمعظم مراكز التصويت، بحسب بعثات المراقبة الأوروبية.
مراقبة دولية.. وتحديات "هجينة"
قالت رئيسة فريق مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، باولا كاردوسو، إنّ الانتخابات أظهرت التزامًا عاليًا بالديمقراطية رغم "تهديدات هجينة" شملت تمويلًا غير مشروع، حملات تضليل، وهجمات سيبرانية هدفت إلى تقويض الثقة، بينما أشار رئيس بعثة مراقبة البرلمان الأوروبي، ميشال غاهلر، إلى احترام خيار المولدوفيين وانتقد محاولات التأثير الروسية، وفق RFI.
وفي المقابل، أُثيرت تساؤلات حول تعديلاتٍ قانونيةٍ متأخرة وقراراتٍ للجنة الانتخابات شملت استبعاد أحزاب قُبيل التصويت، وهو ما اعتبرته RFI عاملًا ضيّق المشهد السياسي رغم سلاسة يوم الاقتراع.
قدّمت ذا ناشيونال إنترست مسارًا عمليًا بثلاث ركائز:
- "طلاق كهربائي" عن ترانسنيستريا
- ومسار واضح نحو عضوية الاتحاد الأوروبي
مستندةً إلى واقعٍ جديد بعد توقّف عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا في 1 يناير وما سبّبه من قطعٍ لتدفّقات تغذّي شبكة الكهرباء والصناعة في ترانسنيستريا، ما أجبر الجيب الانفصالي على إيقاف منشآت واتخاذ تدابير طارئة، بينما تتسابق كيشيناو لاستكمال ربطاتٍ كهربائيةٍ عالية الجهد مع رومانيا.
قبضة موسكو.. جنودٌ ومستودعٌ هائل
تذكّر ذا ناشيونال إنترست بأنّ روسيا أبقت منذ اتفاق وقف إطلاق النار عام 1992 قوةً ثلاثية "لحفظ السلام" في ترانسنيستريا، إلى جانب "المجموعة العملياتية للقوات الروسية" غير المصرح بها التي تُجري تدريباتٍ مشتركة وتُكلّف بحراسة مستودع ذخيرة "كوباسنا" الذي يُقدّر بنحو 20 ألف طن ويُعدّ من الأكبر في أوروبا، في وضعٍ تستخدمه موسكو كأداة ضغطٍ على أوكرانيا ومولدوفا.
أوراق كيشيناو.. أغلبيةٌ وفرصة إعادة دمج
ترى ذا ناشيونال إنترست أنّ أغلبية "العمل والتضامن" تُكسب ساندو مساحةً وجداول زمنية أوسع للتعامل مع ملف ترانسنيستريا، وتلفت إلى مؤشّرٍ انتخابي يتمثل في أنّ نحو 30% من ناخبي ترانسنيستريا صوّتوا للحزب الموالي للغرب، ما قد يفتح باب استمالة فئاتٍ أصغر سنًا بمصفوفة عرضٍ اقتصادية تشمل تحديث محطات الطاقة ومصانع الفولاذ وربطًا بفرص إعادة إعمار أوكرانيا وجذب استثماراتٍ غربية.
نافذة 2026.. ورهان واشنطن
تطرح ذا ناشيونال إنترست أنّ "شباكًا" دبلوماسيًا قد يتشكل بحلول 2026، ويربط إمكانية اختراق السلام بدورٍ أميركي "صفقي" يزاوج بين الحوافز الاقتصادية والضغوط، مع إشارةٍ إلى أنّ قرب تيراسبول من كيشيناو (أقلّ من ساعة بالسيارة) يسمح بتصوّر حاضرةٍ حضريةٍ مشتركة على غرار بالتيمور- واشنطن إذا تحقق السلام.
تحذّر أستاذة العلوم السياسية ناتاليا بوتينا من أنّ الطريق إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، رغم التأييد الشعبي، سيظل محفوفًا بعوائقٍ مثل استمرار الوجود العسكري الروسي في ترانسنيستريا، آثار الحرب الإقليمية، والمعركة ضد الفساد ونفوذ الأوليغارشية، واصفةً مسار التطور الديمقراطي في مولدوفا بأنه "خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء"، حسب RFI.
وفي تفاصيل التصويت من الجيب الانفصالي، تشير RFI إلى أنّ 12,017 مولدوفيًا من ترانسنيستريا أدلوا بأصواتهم، وأن أكثر من 51% صوّتوا للكتلة الموالية لروسيا، بينما حلّ "العمل والتضامن" ثانيًا بنحو 30%.