600 طلب على وظيفة واحدة.. البطالة تهدد استقرار الفرنسيين
يشهد سوق العمل الفرنسي واحدة من أكثر فتراته اضطراباً خلال العقد الأخير، إذ يتزاحم مئات المتقدمين على وظيفة واحدة بينما تجمّد الشركات خطط التوظيف والاستثمار بفعل حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي.
فمع استمرار التباطؤ في النمو وتصاعد التوتر داخل البرلمان، يبدو أن المعادلة باتت قاسية حيث الفرص قليلة، والمتقدّمون كُثر، والمناخ سياسي يغذي الشك.
انهيار الثقة واشتداد المنافسة على الوظائف
وفقاً لتقرير صحيفة
لوفيغارو، فإن سوق العمل الفرنسي يشهد "توقفاً حادّاً" مع تراجع رغبة الشركات في التوظيف، حيث لا تتجاوز نسبة المؤسسات التي تخطط لتوظيف كوادر جديدة 8% فقط، وهو أدنى مستوى منذ سنوات.
ويصف تقرير Apec هذا التراجع بأنه "نقطة انخفاض تاريخية"، مشيراً إلى أن الشركات أصبحت أكثر انتقائية مع توفر عدد هائل من المرشحين لكل وظيفة، وصل أحياناً إلى أكثر من 600 طلب لوظيفة واحدة.
هذا الركود لم يوفّر حتى القطاعات الواعدة، إذ انخفضت نوايا التوظيف في الصناعة إلى 9%، فيما تراجع مستوى الثقة لدى الموظفين أنفسهم، حيث أظهر 57% منهم أنهم يخشون عدم قدرتهم على إيجاد وظيفة مماثلة في حال فقدان وظائفهم الحالية.
وتنقل الصحيفة شهادة جان، خريجة كبرى المدارس الفرنسية، التي عملت لأكثر من عشر سنوات في مجال المسؤولية الاجتماعية والبيئية قبل أن تجد نفسها بلا عمل بعد انتهاء عقدها المؤقت، قائلة: "قدّمت عشرات الطلبات ولم أتلقَّ أي رد. الشركات لا توظّف، حتى في القطاعات التي كانت واعدة. كل مقابلة عمل أصبحت أشبه بمعركة".
الشلل السياسي يفاقم الأزمة الاقتصادية
في الوقت الذي يترقّب فيه الفرنسيون انفراجة في سوق العمل، جاءت الأزمة السياسية الناتجة عن حلّ الجمعية الوطنية، في 2024، لتعمّق الجرح.
كشفت قناة
BFMTV أن حالة الاضطراب السياسي كلّفت الاقتصاد الفرنسي نحو 15 مليار يورو منذ يونيو 2024، أي ما يعادل نصف نقطة من النمو السنوي.
ويقول الخبير الاقتصادي إيريك هاير من معهد OFCE إن "الشركات جمدت كل شيء تقريباً، من الاستثمارات إلى التوظيف"، بينما فضّل المواطنون الادخار على الإنفاق بسبب غياب الثقة.
وتُقدّر الخسائر المباشرة الناجمة عن ضعف العائدات الضريبية وارتفاع أسعار الفائدة على القروض السيادية بـ4 مليارات يورو إضافية، في وقت يعيش فيه الاقتصاد حالة "شلل مؤسسي" كما وصفته
فرانس إنفو.
ولم تقتصر هذه الأزمة السياسية على أرقام الميزانية فحسب، بل خلقت مناخاً من الحذر بين أرباب العمل، إذ يؤكد أحد مسؤولي الشركات أن "أي قرار توظيف بات مؤجلاً إلى أجل غير مسمى" في ظلّ حكومة انتقالية عاجزة عن طمأنة الأسواق أو توفير استقرار تشريعي.
القطاع الجمعوي نموذج آخر للانكماش
لم يسلم القطاع الجمعوي الفرنسي (مجموعة المنظمات والجمعيات غير الربحية)، الذي يشكّل نحو 10% من مجموع الوظائف، من موجة الانكماش هذه. فبحسب تقرير
فرانس إنفو، حذّرت الجمعيات من "خطر مباشر يهدد 150 ألف وظيفة" بسبب نقص التمويل وتأخر صرف الإعانات الحكومية.
وتشير بيانات
الحركة الجمعوية في لورين إلى أن 31% من الجمعيات العاملة لم يعد لديها أكثر من ثلاثة أشهر من السيولة، ما يهدد بإغلاقها النهائي.
هذا التراجع في التمويل العام، الذي تفاقم بسبب تأخر المصادقة على الميزانية لعام 2025، يعكس اتساع نطاق الأزمة ليشمل المجتمع المدني، الذي يُعتبر عادة صمّام الأمان الاجتماعي. ومع تعثّر الدعم الرسمي، يتقلّص حضور الجمعيات في قطاعات التعليم والصحة والتضامن، ما يضاعف آثار الركود على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.