سياسة

بوتين يسعى لـ"طول العمر".. وابنته تقود برنامج تحقيق حلمه

نشر
blinx
بينما تعاني روسيا من تحديات ديموغرافية وصحية تتعلق بتراجع متوسط العمر وتزايد الشيخوخة السكانية، يوجّه الرئيس فلاديمير بوتين اهتماماً متزايداً إلى دعم الأبحاث العلمية في مجالات تجديد الخلايا وإطالة الحياة البشرية، وفقا لتقرير صدر عن صحيفة لوموند الفرنسية.
فبعد أكثر من عقدين في السلطة، بدأ الكرملين يموّل مشاريع علمية ضخمة تستهدف تجديد الخلايا وإبطاء الشيخوخة، في إطار برنامج وطني تقوده ابنته الكبرى ماريا فورونتسوفا، الطبيبة المتخصّصة في الغدد الصمّاء. وبذلك يتحوّل حلم بوتين الشخصي بالخلود إلى مشروع دولة يوظّف فيه العلم لتعزيز نفوذ روسيا وصورة زعيمها الذي لا يشيخ.
ورغم الطابع العلمي لهذه المبادرات، فإنها لا تنفصل عن الرمزية السياسية التي تحيط بها، إذ يسعى بوتين من خلالها إلى ترسيخ فكرة الاستمرارية والتفوّق الروسي في مجالات تتجاوز حدود التكنولوجيا التقليدية.
وفي هذا السياق، تتقاطع مشاريع إطالة العمر مع سردية القوة والقدرة التي يروّج لها الكرملين داخلياً وخارجياً، لتصبح أبحاث الطب الحيوي جزءاً من صورة روسيا كدولة تتحدى الزمن وتعيد صياغة مفهوم البقاء.

من زعيم لا يشيخ إلى مشروع دولة للخلود

خلال زيارته إلى بكين، تحدّث بوتين مع نظيره الصيني شي جين بينغ مطولاً عن التطوّر الطبي في مجالات تجديد الأنسجة وزرع الأعضاء، مشيراً إلى أن "العلم الحديث قادر على جعل الإنسان يعيش أكثر من 150 عاماً"، وهي عبارة أثارت اهتمام الصحافة الروسية التي رأت فيها دليلاً على سعي الكرملين إلى تحويل أبحاث إطالة العمر إلى جزء من رؤيته العلمية المستقبلية.
هذه التصريحات لم تأت بمعزل عن توجه رسمي جديد داخل الحكومة الروسية لدعم الأبحاث في مجال مكافحة الشيخوخة. فوفق بيانات من وزارة العلوم والتعليم العالي، ارتفع التمويل المخصّص لمشروعات الطب الحيوي بنسبة تتجاوز 250% خلال السنوات الخمس الماضية، ليصل إلى نحو 120 مليار روبل، ما يعادل 1.3 مليار يورو.
كما جرى توسيع ميزانية معاهد الأبحاث في موسكو وسان بطرسبورغ لتغطية أكثر من 40 مشروعاً جديداً يركّز معظمها على تقنيات تجديد الخلايا وإبطاء الشيخوخة. وقد أصبحت أبحاث "إطالة العمر" ضمن قائمة الأولويات الوطنية في خطة الوزارة العلمية للفترة 2025–2030.
ويرى مراقبون أن بوتين يسعى من خلال ذلك إلى ربط سلطته بفكرة "الاستمرارية اللامحدودة"، ليس فقط في الحكم، بل في الجسد والعمر ذاته، في استلهام رمزيّ لفكرة الخلود السياسي والبيولوجي في آن واحد.

ماريا فورونتسوفا.. ابنة الرئيس ووجه المشروع العلمي

أصبحت ماريا فورونتسوفا، الابنة الكبرى لبوتين، الاسم العلمي الأبرز وراء هذا التوجّه. فهي طبيبة متخصّصة في أمراض الغدد الصمّاء، وتشرف على برنامج وطني تحت عنوان "تنظيم عمليات التجدد الخلوي في الجسم للحفاظ على النشاط الوظيفي للأعضاء والأنسجة والصحة وطول العمر".
يهدف هذا البرنامج، الذي تم إطلاقه بتمويل حكومي ضخم، إلى تطوير علاجات قادرة على إصلاح الخلايا التالفة وتأخير الشيخوخة، وهو يُعتبر واحداً من أكثر المشاريع تمويلاً في تاريخ البحث الطبي الروسي.
تدير فورونتسوفا شبكة مؤسسات طبية متكاملة، من بينها شركة نوميكا المتخصصة في التقنيات الحيوية، والتي حصلت على عقود شراكة مع شركات الطاقة الكبرى مثل "غازبروم" لتطوير مراكز علاجية تابعة لها. كما تشغل عضوية مجلس إدارة "البرنامج الوطني لتطوير علم الوراثة"، الذي تبلغ ميزانيته أكثر من مليار يورو، ويُشرف عليه ميخائيل كوفالتشوك، صديق بوتين القديم ورئيس معهد كورتشاتوف للأبحاث النووية.

الخلود كأداة للسلطة

بحسب صحيفة لوموند الفرنسية، فإن مشروع فلاديمير بوتين لتجديد الخلايا يتجاوز هدفه العلمي البحت ويحمل أبعاداً سياسية ورمزية واضحة، إذ يسعى من خلاله إلى تقديم روسيا كقوة قادرة على المنافسة في ميادين جديدة مثل الطب الحيوي والهندسة الوراثية، في وقتٍ تواجه فيه البلاد عزلة دولية بسبب الحرب في أوكرانيا.
وترى الصحيفة أن فكرة "الخلود" تحوّلت إلى أداة سياسية لترسيخ صورة الزعيم الذي يتحدى الشيخوخة، وربط بقاء الدولة ببقائه، فيما يُستخدم خطاب "التقدّم العلمي" لتغليف الأزمة الاقتصادية وإبراز المشروع كإنجاز حضاري جديد يعيد رسم ملامح القيادة الروسية.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة