رغم انقسامها بشأن غزة.. هل تخلت أوروبا عن "معاقبة إسرائيل"؟
عشية لقاء قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل لمناقشة الصراع بين إسرائيل وحماس، تعرّض الاتحاد لانتقادات لتعليقه العقوبات المفروضة على الحكومة الإسرائيلية، دعما لجهود دونالد ترامب لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وذلك في ظلّ تهديد وقف إطلاق النار الهش.
ولطالما انقسم الأوروبيون بشدة بشأن الشرق الأوسط. فهم منقسمون بين مناصرين صريحين لفلسطين، مثل إسبانيا وأيرلندا، وحلفاء مخلصين لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مثل المجر وجمهورية التشيك.
ووفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، فقد أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، بعد اجتماعها بوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين، تعليقًا مؤقتًا للجهود الرامية إلى وقف التجارة التفضيلية مع إسرائيل وفرض عقوبات على المسؤولين عن تأجيج الصراع من كلا الجانبين.
وأضافت كالاس أن السياق قد تغيّر منذ اقتراح هذه الإجراءات الشهر الماضي. وأشارت إلى "اختلاف وجهات النظر"، قائلةً إن الوزراء اتفقوا على أن "لا نمضي قدمًا في هذه الإجراءات الآن، لكننا لن نستبعدها أيضًا لأن الوضع هش".
انتقادات لقرار تعليق العقوبات
انتقد شخصان عملا في مناصب عليا في الاتحاد الأوروبي، كلٌّ على حدة، قرار عدم المضي قدمًا في فرض العقوبات.
وصرح سفين كون فون بورغسدورف، الممثل السابق للاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية، لصحيفة الغارديان بأن كالاس أخطأت في فهم جوهر المساءلة القانونية.
وأضاف: "العقوبات ليست مجرد إجراء لحثّ الطرف الآخر أو إكراهه على تغيير سلوكه أو تعديله. فالتدابير التقييدية جزء من الأدوات التي وفّرها الاتحاد الأوروبي لنفسه للرد على انتهاكات القانونين الأوروبي والدولي".
وخلص الاتحاد الأوروبي في يونيو إلى أن إسرائيل انتهكت التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان بموجب اتفاقية الشراكة بينهما، التي تُنظّم التجارة والتعاون بين الجانبين.
ويقول محامون إن الاتحاد الأوروبي مُلزم أيضًا بضمان توافق سياسته مع رأي غير مُلزم صادر عن محكمة العدل الدولية عام 2024، والذي يُلزم إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية في أقرب وقت ممكن.
شارك بورغسدورف في تنظيم بيان وقّعه 414 من كبار الدبلوماسيين والمسؤولين السابقين الأسبوع الماضي، يدعو إلى اتخاذ إجراءات حازمة من الاتحاد الأوروبي "ضد المُفسدين والمتطرفين من كلا الجانبين" الذين تُعرّض أفعالهم "إقامة دولة فلسطينية مُستقبلية" للخطر.
ورحّب البيان بخطة ترامب، لكنه أشار إلى أن مسألة تقرير المصير الفلسطيني لم تُعالَج إلا "بشكل مبهم".
نتيجة سيئة للاتحاد الأوروبي
بدورها قالت ناتالي توتشي، المستشارة السابقة للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إن إلغاء العقوبات سيكون أسوأ نتيجة ممكنة للاتحاد.
وتابعت: "هذا آخر ما ينبغي علينا فعله، لأن هذه هي اللحظة المناسبة لمواصلة الضغط. لأننا جميعًا نعلم أن تنفيذ هذه الخطة ليس حتميًا" في إشارة إلى المرحلة الأولى من خطة ترامب.
من المقرر أن يناقش القادة الأوروبيون الصراع بين إسرائيل وغزة في قمة يوم الخميس، ولطالما انقسموا بشدة بشأن الشرق الأوسط.
لكن الاحتجاجات الحاشدة في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ضد عدد القتلى والمعاناة في غزة، أثارت مقترحات من المفوضية الأوروبية الشهر الماضي بتعليق التجارة التفضيلية وفرض عقوبات على الأفراد المسؤولين عن تأجيج الصراع على كلا الجانبين.
"مجلس السلام" ودور للاتحاد الأوروبي؟
ورفضت مصادر رفيعة المستوى في الاتحاد الأوروبي انتقادًا متكررًا بأن الاتحاد "ممول وليس طرفًا فاعلًا" في الشرق الأوسط. يشير هذا النقد إلى دور الاتحاد الأوروبي كأكبر مانح للفلسطينيين، 1.5 مليار يورو (1.3 مليار جنيه إسترليني) كمساعدات إنسانية منذ 7 أكتوبر، لكنه يزعم أن الاتحاد منقسم للغاية بحيث لا يملك نفوذًا في صنع السلام.
ويعتقد مسؤولو الاتحاد الأوروبي أنه يجب تمثيل الاتحاد في "مجلس السلام" التابع لترامب، مما يعكس مساهمته المحتملة في إعادة إعمار غزة.
وكان الاتحاد الأوروبي قد رحب بخطة ترامب، ولكن في ورقة مسربة اطلعت عليها صحيفة الغارديان، ورد أنه يمكن "التوسع أكثر" في دور السلطة الفلسطينية وحل الدولتين. وتشير وثيقة الاتحاد الأوروبي إلى أن خطة ترامب "لا تعالج الوضع في الضفة الغربية".
وأكد بورغسدورف على أهمية أن يكون الاتحاد الأوروبي طرفًا دبلوماسيًا فاعلًا لضمان استكمال "الحلقات المفقودة" في خطة ترامب، ومعالجة مسألة المستوطنات في الضفة الغربية، و"العمل على إيجاد مسار موثوق لحل الدولتين".
حماية إسرائيل من المساءلة
ومن المقرر أن يلتقي قادة الاتحاد الأوروبي، الذين أشادوا بدور القاهرة كوسيط في الصراع، بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في بروكسل اليوم الأربعاء.
وقال بورغسدورف إن الاتحاد الأوروبي لديه فرصة "لإثبات للعالم أننا نتجاوز مرحلة "الدفع". نحن بحاجة إلى الارتقاء إلى مستوى أعلى وأن يكون لدينا طموح سياسي".
قال كلاوديو فرانكافيلا، المدير المساعد لشؤون الاتحاد الأوروبي في هيومن رايتس ووتش، إن الحكومات الأوروبية لا تزال تحمي السلطات الإسرائيلية من المساءلة.
وتعليقًا على تصريح كالاس، قال: "ربما يكون ما تغير حتى الآن هو حجم وشدة جرائم إسرائيل الفظيعة في غزة؛ لكن احتلالها غير القانوني وجرائمها المتمثلة في الفصل العنصري والتهجير القسري والتعذيب وقمع الفلسطينيين لا تزال مستمرة بلا هوادة".