بدو السويداء.. نازحون بلا أمل في العودة
عندما اجتاحت أعمال عنف طائفية محافظة السويداء في جنوب سوريا في يوليو، قالت عائلة صبيح إن مسلحين من الدروز اقتادوا أفرادها واحتجزوهم في مدرسة مع أبناء عشائر بدوية أخرى، وعندما اختفى الحراس بعد ٣ ليال حاولوا الهرب.
وتعرضوا بعدها لإطلاق نار ليذهب كل منهم في اتجاه. وتفرق صبيح عن زوجته فصل، وقالا إن ٣ من أفراد العائلة قتلوا بمن فيهم ابنتهما ملك البالغة من العمر 20 عاما والتي كان من المقرر أن تتزوج في اليوم التالي.
واتهم فيصل جماعات مسلحة موالية لرجل الدين الدرزي البارز الشيخ حكمت الهجري بطرد السنة من السويداء. وهو ما أكده أكثر من 12 نازحا من البدو أجرت رويترز مقابلات معهم.
وقال فيصل عن جيرانه الدروز "كنا عايشين سويا، خبزنا من نفس الفرن، ومياهنا من نفس المكان".
وتابع قائلا "الآن لم يتركوا عشائر، ما خلوا حدا، ما خلوا عشائر بدو بالمحافظة نهائيا، كلهم اتهجروا".
والآن، تقيم العائلة المكونة من 10 أفراد في قرية نوى الواقعة في محافظة درعا المجاورة، حيث يعملون في حقول أحد المزارعين الذي وفر لهم خيمة للنوم فيها.
عشرات الآلاف من العشائر في النزوح
عائلة صبيح من بين عشرات الآلاف من العشائر البدوية والدروز الذين نزحوا خلال أسبوع من إراقة الدماء انهار معه تعايش هش دام لعقود وأنهى تقريبا وجود البدو في معظم أنحاء السويداء.
وذكرت مجموعتان تراقبان الأوضاع هناك أن تلك الأحداث أودت بحياة ما يزيد على ألف معظمهم من الدروز.
ورغم مرور أشهر، لا يلوح في الأفق أمل يذكر في عودة قريبة للنازحين البدو إلى السويداء مع استمرار حالة الخوف والعداء ومظالم قائمة لدى الجانبين.
زعماء دروز حاولوا حماية عائلات البدو
يقول زعماء من الدروز تحدثت إليهم رويترز إنهم حاولوا حماية عائلات البدو، ونفوا وجود حملة لتهجيرهم وطردهم.
لكن قياديا كبيرا لإحدى الجماعات المسلحة الدرزية قال إن عودة البدو غير مقبولة في الوقت الحالي، واتهم مقاتلين من البدو بالمشاركة فيما وصفه بتطهير عرقي بحق الدروز "تمارسه جماعات متطرفة والحكومة"، حسب قوله.
وقال طارق المغوش القيادي في الحرس الوطني الذي شكلته حديثا جماعات مسلحة موالية للهجري للدفاع عن الدروز إن عودة البدو "إلى السويداء حاليا هو أمر مرفوض تماما على مجتمع السويداء. كانوا مركز انطلاق الفتنة"، بحسب زعمه.
"قوات درزية جمعت عائلات بدوية في ملاجئ لحمايتهم"
وأضاف أن قوات درزية جمعت أفراد عائلات بدوية في ملاجئ مخصصة لحمايتهم من أي أعمال انتقامية وساعدت في تسهيل إجلاء نحو ألفي شخص بعد هدنة مدعومة من الولايات المتحدة.
ونفى أن تكون جماعات مسلحة درزية قد شنت هجمات على مدنيين من البدو، وتساءل كيف تمكنت عائلة صبيح من معرفة من أطلق النار عليهم وسط الاشتباكات. وأضاف أن من الدروز أيضا من ينتظرون العودة إلى ديارهم بعد تهجيرهم من أكثر من 30 قرية باتت تحت سيطرة الحكومة.
وفي بيان لرويترز، قال مكتب الهجري إنه حظر الاعتداء على البدو ووصفهم بأنهم "جزء أصيل من نسيجنا الاجتماعي".
وأشار البيان إلى أن "انسحابا جماعيا لأبناء العشائر" من السويداء تزامن مع رحيل القوات الحكومية قائلا إن هذا "يعد مؤشرا واضحا على تورط بعض هذه المجموعات في أعمال العنف". ولم يجب مكتب الهجري على أسئلة حول عودتهم.
ورفضت وزارة الإعلام السورية اتهامات الدروز بارتكاب إبادة جماعية في السويداء، قائلة إن الطرفين ارتكبا انتهاكات. وأضافت أن الكثير من البدو نزحوا من المنطقة بسبب هجمات شنتها جماعات موالية للهجري، مما خلق "مناخا من الخوف وعدم الاستقرار".
وتعهد الرئيس السوري أحمد الشرع بحماية الدروز.
وقالت وزارة الإعلام السورية لرويترز إن الحكومة شكلت لجنة للتحقيق في أحداث العنف في السويداء، وقبضت على نحو 10 أفراد من قوات الأمن للاشتباه في ارتكابهم انتهاكات.
وفي 16 سبتمبر، أعلنت الحكومة خريطة طريق مؤلفة من 13 بندا اتفقت عليها مع مبعوثين من الولايات المتحدة والأردن لحل الأزمة.
وتتضمن خريطة الطريق التزاما باتخاذ خطوات لتمكين النازحين من العودة إلى ديارهم.
إلا أن هيئة شكلها موالون للهجري في أغسطس لإدارة السويداء سارعت إلى رفض الخطة، وكررت المطالبة بتقرير المصير وهو أمر تعارضه الحكومة.
واندلعت أعمال العنف الأخيرة في 12 يوليو، وقال سكان في المنطقة إنها نشبت بعد تعرض تاجر درزي للخطف على الطريق المؤدي إلى دمشق. وحمّل الدروز البدو المسؤولية عن ذلك مما أدى إلى عمليات اختطاف متبادلة ونشوب اشتباكات.
تفاقمت أعمال العنف بعد إرسال قوات حكومية بهدف استعادة النظام ووقعت اشتباكات بينها وبين جماعات مسلحة درزية، وانتشرت تقارير عن أعمال نهب وقتل خارج إطار القانون وانتهاكات أخرى.
وتدخلت إسرائيل في الأحداث بعد دعوات من الأقلية الدرزية فيها، وهاجمت القوات الحكومية بهدف معلن هو حماية الدروز السوريين وإبقاء حدودها خالية من المسلحين.
وفي وقت متأخر من يوم 16 يوليو، انسحبت القوات الحكومية من السويداء بموجب الهدنة.
وفي ذلك الصباح، استيقظت عائلة صبيح على دوي اشتباكات في قرية قريبة.
وقال فيصل إن بعد وقت قصير من ذلك، دخل عشرات المسلحين الدروز إلى الحي الذي يعيش فيه وفتحوا النار.
وفرت عائلة صبيح مع عشرات آخرين ولجأوا لجيرانهم الدروز الذين عرضوا عليهم الحماية في اليوم السابق.
وقال فيصل "من أول نصف ساعة على أساس صرنا بأمان عند الجماعة وما حدا بيخرب علينا"، وذلك حتى وصول قيادي للدروز وإعلانه أنه أصبح المسؤول. وأضاف فيصل "بتلك اللحظة عرفنا أننا أسرى".
تقدر الحكومة السورية أن نحو 150 ألف درزي و70 ألف بدوي نزحوا من المنطقة في يوليو. وبقي معظم الدروز في السويداء، بينما توجّه معظم البدو إلى مناطق أخرى من سوريا بحثا عن ملجأ في مدارس أو فنادق أو منازل أقاربهم.
لكن مصطفى العميري، وهو محام ومتحدث باسم النازحين البدو، يقدر عددهم بأكثر من ذلك. وقال إن كلّ البدو تقريبا من سكان السويداء، ويقدر عددهم بما لا يقل عن 120 ألفا، غادروا المنطقة.
وقال مازن عزي، وهو باحث وصحفي درزي أحال مكتب الهجري رويترز إليه، إن عدد البدو في السويداء يبلغ 35 ألفا فقط غادر منهم 25 ألفا.
ويسيطر مسلحون دروز الآن على معظم محافظة السويداء وينفذون دوريات على الطرق ويديرون مجالس محلية.
ولا يزال مستوى التوتر مرتفعا.
وقال أفراد من الجانبين إن منازلهم أضرمت فيها النيران أو تعرضت للنهب أو الاستيلاء من عناصر من الطرف الآخر. كما يتبادل الجانبان الاتهامات باحتجاز أشخاص.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن تواصل تسهيل المناقشات بموجب خريطة الطريق وأشارت إلى إحراز تقدم فيما يتعلق بوصول المساعدات واستعادة التجارة والخدمات الحكومية وتبادل المحتجزين.
وقالت وزارة الإعلام السورية إن أمن الدروز والبدو يعتمد على إعادة فرض سيطرة الحكومة وهو رأي يتفق معه العميري الذي وصف ذلك بأنه شرط أساسي لعودة البدو.
وقالت الوزارة لرويترز إن رفض الهجري التواصل مباشرة مع الحكومة يشكل أحد العوائق الرئيسية أمام حل الأزمة.
وقال حايد حايد، وهو زميل غير مقيم في مركز مبادرة الإصلاح العربي في باريس وهو مؤسسة بحثية، إن من الصعب تخيل عيش الدروز والبدو جنبا إلى جنب مرة أخرى من دون بذل جهود شاملة لمعالجة الندوب العميقة التي خلفتها تلك الاشتباكات.