الدبابات جاهزة والطريق لا.. أزمة لوجستية تهدد الناتو
عند منصة Griesweiler شرق فرنسا، يقف ضباط فرنسيون يراقبون دبابات لوكلير، Leclerc، وهي تُحمّل على عربات قطار ممتدة، في مشهد يبدو منسقا ودقيقا.
غير أنّ هذا الانتظام يخفي خلفه قلقا حقيقيا داخل العواصم الأوروبية، حيث يجد الحلف الذي يملك أحدث الدبابات والمقاتلات نفسه عاجزا عن الإجابة على سؤال بسيط وخطير في آن واحد: هل يستطيع ناتو تحريك قواته بسرعة كافية قبل أن تتحرك روسيا؟
وبحسب تقرير صادر عن صحيفة
لوموند الفرنسية، أظهرت الحرب أنّ القدرة على التحرك والانتشار السريع أصبحت جزءا أساسيا من الردع، وأنّ البنية التحتية الأوروبية ليست مهيأة كما يجب لنقل القوات الثقيلة نحو الشرق في حالة طارئة.
بعد حرب أوكرانيا، أعاد ناتو تقييم قدرته على الانتشار العسكري، ليكتشف أن الهدف الذي وضعه لنفسه، نقل جنود ودباباتهم خلال 10 أيام، ما زال بعيدا عن التحقق.
في مناورات Dacian Fall، التي صمّمت لمحاكاة استجابة واقعية لحرب مفاجئة، استغرق التحرك 17 يوما، أي أطول مما يمكن تحمله في سيناريو مواجهة روسية.
لم تجد بعض الدبابات عربات قطار مناسبة بسبب وزنها البالغ 60 طنا، وبعض الجسور لم تتحمل الحمل، بينما بقيت قوافل كاملة عالقة عند حدود أوروبية مختلفة بسبب قواعد عبور معقّدة وطويلة.
ومن خلل هذه التجارب، أدرك قادة الحلف أنّ الاستعداد العسكري وحده غير كاف، إذ أن الدبابة التي لا تستطيع الانتقال من فرنسا إلى بولندا في الوقت المناسب، هي في الواقع دبابة غائبة عن الحرب حتى وإن كانت جاهزة للقتال.
هنا تحوّل التركيز من النيران إلى الإمداد، ومن الدروع إلى السكك الحديدية، ومن القوة إلى القدرة على الوصول.
أوروبا التي بنيت للسياحة.. لا للمدرعات
توصف أوروبا بأنّها صاحبة أفضل شبكة طرق وسكك في العالم، لكن التقرير يكشف أن هذه البنية صممت لعالم مدني، لا لحركة دبابات وقطارات عسكرية.
فبحسب الأرقام، تحتاج الدول الأوروبية إلى 70 مليار يورو لتحديث الطرق والجسور والمسارات القادرة على تحمل عبور القوات، بينما التمويل المتاح حتى الآن لا يتجاوز 1.7 مليار، أي أقل من 3% من المطلوب.
في ألمانيا، تمنع قوانين الوزن مرور دبابات ثقيلة عبر الطرق السريعة، ما يجبر الجيوش على الاعتماد شبه الكامل على السكك الحديد، وهي بدورها محدودة ومتفاوتة في القدرة من دولة لأخرى.
وفي أوروبا الشرقية، حيث يُفترض أن تمرّ القوات نحو الجبهة، يمكن لقافلة واحدة أن تنتظر أسابيع بسبب التراخيص، والفحص الأمني، وغياب منصة قادرة على رفع أو إنزال مركبة مدرعة.
أما بالنسبة لممر سوفالكي بين بولندا وليتوانيا، يؤكد الخبراء أن روسيا تستطيع قطعه خلال 48 ساعة، بينما السكك الحديدية السريعة التي يمكن أن تنقذ الحركة الأوروبية لن تكتمل قبل عام 2030. كل ذلك يجعل أوروبا تبدو كأنها مجهزة للرحلات السياحية، لكنها غير جاهزة لعبور دبابة واحدة في لحظة أزمة.
حين يتراجع الظل الأميركي.. وتكتشف أوروبا أنها وحدها
تعتمد القدرات اللوجستية لناتو، خاصة في النقل الجوي والمعدات الثقيلة، على الولايات المتحدة بشكل شبه كامل، وهو أمر تُظهره الوثيقة بوضوح.
تملك أوروبا طائرة A400M بحمولة 37 طنا فقط، بينما تعتمد في معظم النقل الثقيل على طائرات أنتونوف الأوكرانية، التي تراجعت قدرتها بعد الحرب.
وفي ظل التوجه الأميركي نحو تقليص الوجود العسكري في أوروبا، وهو اتجاه تصاعد خلال عهد ترامب، يجد الحلف نفسه أمام واقع جديد. إذا خفّضت واشنطن قدراتها اللوجستية في القارة، فإن أوروبا ستكون أمام فجوة هائلة يصعب سدّها في سنوات قليلة.
ولهذا السبب، بدأت فرنسا، التي تبدو الأكثر إدراكا للخطر، تحديثا واسعا يتضمن شراء شحنات عسكرية و350 ناقلة وقود وتوحيد 19 وحدة لوجستية في ثلاثة ألوية.
لكن هذا التحرك يبدو محدودا أمام مشكلة أعمق يكشفها التقرير: نقص الفنيين والمهندسين العسكريين، ما يجعل الجيوش الأوروبية تملك المعدات، لكنها لا تملك العدد البشري الكافي لتشغيلها بكفاءة عند الحاجة.