غزة بين الأنقاض والانتظار.. حياة معلقة "لا تشبه السلام"
في غزة، لا تعني عبارة "وقف إطلاق النار" نهاية الحرب بقدر ما تعني دخولها طورا أقل صخبا وأكثر التباسا، بحسب تقرير نشرته صحيفة
إل باييس الإسبانية.
فبعد أشهر من القصف المكثف، وجد السكان أنفسهم أمام هدنة لم تعد إليهم بيوتهم، ولم ترفع الحصار، ولم توقف الموت بالكامل.
وبين خيام النزوح والدمار الواسع، يعيش الغزيون اليوم حالة انتظار ثقيل، لا سلام فيها ولا حرب مكتملة، وفق ما وثقته صحيفة
الغارديان البريطانية.
تشير إل باييس إلى أن سكان غزة يعيشون في ما وصفته بـ "الفراغ"، حيث لم تغير الهدنة المعلنة جوهر حياتهم اليومية.
بات أكثر من 90٪ من السكان نازحين، بعد تدمير أو تضرر معظم المساكن، فيما تحولت الخيام إلى بيوت مؤقتة لا تقي من المطر أو البرد.
في إحدى هذه الخيام في دير البلح، تروي أم لخمسة أطفال للصحيفة أنها لم تعد تفرق بين أيام الحرب وأيام الهدنة، لأن الخوف لم يغادر، والماء والطعام لا يزالان شحيحين. تقول إن أطفالها يسألونها يوميا متى سيعودون إلى منزلهم، وهي لا تملك إجابة.
وتوضح الصحيفة أن الهدنة سمحت بزيادة محدودة في دخول المساعدات، ما خفض أسعار بعض السلع مقارنة بذروة القتال، لكن معظم العائلات لم تعد تملك المال أصلا. البطالة شبه كاملة، والاقتصاد المحلي منهار، ما جعل المساعدات الإنسانية المصدر الوحيد للبقاء لدى شريحة واسعة من السكان.
القتل لم يتوقف والخرائط تغيرت
من جهتها، تنقل الغارديان صورة أكثر قتامة، مشيرة إلى أن الهدنة لم توقف القتل. فبحسب الصحيفة، قُتل مئات الفلسطينيين منذ بدء وقف إطلاق النار، بينهم أطفال، في غارات أو إطلاق نار وقع في مناطق يفترض أنها آمنة.
تروي أم في خان يونس فقدت طفليها أثناء جمعهما الحطب أن "سفك الدماء كان من المفترض أن يتوقف"، لكنها وجدت نفسها تشيع أبناءها بعد أسابيع من إعلان الهدنة.
وتلفت الغارديان إلى أن الجيش الإسرائيلي فرض واقعا جغرافيا جديدا داخل القطاع، عبر ما يعرف بـ"الخط الأصفر"، الذي يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى مساحات واسعة من أراضيهم الزراعية والسكنية.
هذا الإجراء، الذي يقدم كترتيب أمني مؤقت، أدى عمليا إلى تقليص المساحة المتاحة للسكان إلى أقل من نصف القطاع، ما عمّق أزمة الغذاء وساهم في تحويل الهدنة إلى شكل آخر من أشكال الحصار.
قصص فردية تختصر معاناة جماعية
تروي إل باييس حكاية رجل كان يعمل نجارا في مدينة غزة فقد ورشته ومنزله، ويعيش اليوم مع أسرته في خيمة قرب مدرسة مدمرة.
يقول إنه لم يعد يحلم بإعادة بناء عمله، بل فقط بالحصول على وقود يكفي لطهي الطعام.
ونقلت الغارديان شهادة شابة جامعية توقفت دراستها منذ أكثر من عامين، وتقول إن الهدنة لم تعن لها سوى "تقليص عدد الغارات التي نعدها في اليوم"، بينما بقيت حياتها معلقة بلا تعليم ولا عمل ولا أفق.
وتجمع الصحيفتان على أن الغزيين يعيشون اليوم حالة إنهاك نفسي عميق. فبدل أن تكون الهدنة بداية تعاف، تحولت إلى مرحلة انتظار مفتوحة، يخشى كثيرون أن تنتهي بالعودة إلى القصف، أو أن تستمر طويلا من دون أي تغيير حقيقي في شروط الحياة.
تكشف تقارير إل باييس والغارديان أن غزة تعيش هدنة بالاسم فقط. فالقتل لم يتوقف تماما، والدمار لم يرفع، والحصار ما زال قائما بأشكال مختلفة.
وبين خيمة وأخرى، ينتظر الغزيون سلاماً لا يبدو قريباً، بينما تستمر حياتهم في منطقة رمادية، لا هي حرب معلنة ولا سلام فعلي.