علوم
.
بالقرب من الحدود الصينية، توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة أحد القواعد الفضائية؛ قاعدة فوستوشني، حيث وجه بسرعة إطلاق مهمة لونا -٢٥ التي كان من المفترض أن تطير إلى القمر، كان ذلك قبل عام أو يزيد، بالتحديد في أعقاب بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
وفقا لخطة بوتين آنذاك، كان من المفترض أن تنطلق المهمة قبل نهاية العام ٢٠٢٢، إذ كانت تفاصيلها محل عمل بالفعل منذ حوالي عقد من الزمن، لا أن خطط الرئيس لم تتحقق على أرض الواقع، وتأجل إطلاق المهمة غير مأهولة حتى هذا العام.. بالتحديد ١١ أغسطس، عندما انطلق صاروخ يحمل مسبارا إلى القمر في مهمة فريدة لم تقم روسيا بمحاولة مثيلة لها منذ حوالي ٥٠ عاما كاملة، وفقا لوكالة فرانس برس.
إلا أن ملامح برنامج الفضاء الروسي تتبدل يوما بعد الآخر، بل وتشي بعض التفاصيل بمواجهته لعقبات بعد أن أحدثت الحرب الأخيرة تغيرات جذرية في شكل العلاقات الدولية، فبعد أن اجتمعت الولايات المتحدة وروسيا لعقود كجارتين في محطة الفضاء الدولية، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تتخذ الآن روسيا خطوات تكسر تلك القاعدة، وتنفذ بنفسها محطة فضاء جديدة بمعزل عن الأميركيين والأوروبيين الذين فرضوا على البلاد عقوبات.
فكيف تؤثر إذن الحرب الأوكرانية على طموحات روسيا في الفضاء؟
من قاعدة فوستوشني ذاتها التي زاهرها بوتين قبل عام أو نحوه، انطلق صباح ١١ أغسطس الصاروخ الذي يحمل مسبار لونا إلى القمر، حيث من المتوقع أن يصل للقمر في غضون خمسة أيام قبل استثمار بضعة أيام أخرى لاختيار الموضع الملائم للهبوط في منطقة القطب الجنوبي من القمر.
أما عن الزمن المتوقع أن يمضيه المسبار على سطح القمر فيصل إلى عام واحد، وفقا لوكالة الفضاء الروسية روسكوزموس، حيث من المتوقع أن تُجرى المهمة أبحاث طويلة المدى وتأخذ عينات من التربة.
تعود آخر مرة زارت فيها روسيا سطح القمر للعام ١٩٧٦، في مهمة غير مأهولة أيضا، لكنها جاءت أسفل راية الاتحاد السوفيتي قبل أن يتفكك في مطلع التسعينيات، إلا أن تلك المهمة لا تمثل بأي حال إرث المنطقة الحقيقي في الفضاء، ففي سنوات الحرب البادرة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، تمكن الأول من السبق في العام ١٩٦١ مع إرسال أول رجل للفضاء، وهو الروسي يوري غاغرين.
الروسي يوري غاغارين، أول رجل في الفضاء. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
لاحقا تمكنت الولايات المتحدة من اللحاق بالركب وإرسال أول رجل على سطح المقر في العام ١٩٦٩، لاحقا انتهت حالة حرب الفضاء وتعاون الثنائي داخل محطة الفضاء الدولية على مدار عقود، في علاقة يبدو أنها في سبيلها للتراجع، إذ خسرت روسيا مساحات العمل المشتركة في مجال الفضاء مع الدول الغربية التي أمطرتها بالعقوبات في أعقاب غزو أوكرانيا العام الماضي.
بيد أن روسيا لم ترفع الراية البيضاء بعد وأنما تحاول تدشين برنامج القمر الخاص بها، كما تحاول تدشين محطة فضاء كاملة أيضا، بالرغم مما يعاني منه برنامج الفضاء من صعوبات في الابتكار و نقص في التمويل على خلفية وضع الأنفاق العسكري في قمة الأولويات.
في يوليو من العام ٢٠٢٢، كانت الحرب الروسية الأوكرانية قد بدأت منذ ٦ أشهر فقط، عندما أجرت روسيا تعديلات داخل وكالة الفضاء روسكوزموس، حيث عينت قائد جديد للوكالة، يوري بوريسوف، الذي سرعان ما أعلن بدوره موعدا نهائيا لانسحاب روسيا من محطة الفضاء الدولية، بالتحديد في العام ٢٠٢٤، بالتزامن مع نهاية آخر الالتزامات الروسية هناك.
وفي اجتماع عُقد مع الرئيس بوتين، ألمح بوريسوف كذلك إلى أن الانتهاء من الالتزامات قد يتقاطع مع تشكيل روسيا لمحطتها المدارية الخاصة، وفقا لتقرير أعدته صحيفة نيويورك تايمز.
تسعى روسيا للاستقلال عن محطة الفضاء الدولية. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
لم تمض أشهر عدة قبل أن تُفصح روسيا عن ملامح مشروع محطتها الفضائية الجديدة، جاء ذلك في منتصف أغسطس ٢٠٢٢، وذلك من خلال نموذج للمحطة الجديدة، الذي أوحى حينها وفقا لوكالة رويترز بجدية روسيا في أمر الانسحاب من محطة الفضاء الدولية، وأشار البيان الرسمي المنشور حينها أن المحطة الروسية الجديدة سوف تُطلق على مرحلتين، ومع اكتمالها ستكون كافية لاستيعاب ما يصل إلى ٤ رواد فضاء بالإضافة للمعدات العلمية.
بالرغم من أن وكالة الفضاء الروسية لم تفصح عن بيانات بشأن موعد إطلاق كلا من المرحلتين، رجحت بعض وسائل الإعلام المحلية أن تطلق المرحلة الأولى ما بين عامي ٢٠٢٥ و٢٠٢٦ على ألا يتأخر موعد إطلاقها عن العام ٢٠٣٠، فيما تطلق المرحلة الأخرى ما بين عامي ٢٠٣٠ و ٢٠٣٥.
لم تتراجع شراكات روسيا في الفضاء بالولايات المتحدة فقط، توقفت أيضا مشروعات ثنائية في أوروبا كمهمة استكشاف المريخ، التي كان من المفترض أن تقودها المركبة "روزاليند فرانكلين" في خريف العام ٢٠٢٢، وفقا لموقع Space كانت تلك المهمة من أوائل ضحايا الحرب الأوكرانية في قطاع الفضاء، إذ لا يتوقع أن تنطلق المهمة قبل العام ٢٠٢٨.
أطلقت روسيا ٤٦ قمر صناعي فقط خلال العام الجاري. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
تعقد العلاقات في أعقاب الحرب أيضا أدى لتنحى روسيا عن مهمة إطلاق الأقمار الصناعية لصالح دول أوروبية وكيانات تجارية في القارة التي ينشب بينها وبين روسيا عداء ما اليوم، فعلى سبيل المثال باتت شركة One Web الأوروبية المتخصصة في توفير شبكة إنترنت عن طريق الأقمار الصناعية تلجأ لخدمات شركة سبايس إكس وبعض الهندية لإطلاق أقمارها الصناعية بعد أن أوقفت روسيا خدمات الإطلاق خاصتها.
أما عن تعاون روسيا المزمع مع الصين في مهمة في إنشاء محطة أبحاث قمرية دولية، فبات محل شك أيضا، إذ لم تذكر روسيا أثناء تقديم خططها بشأن القمر في مؤتمر في العام الماضي.
في العام ٢٠٢١، بدا وكأن نشاط روسيا في الفضاء متصل ودائم، فعلى سبيل المثال أطلقت ٣٣٩ قمر صناعي من بينهم ٣٠٢ قمر صناعي تابع لكيانات تجارية في مقدمتها شركة One Web، تلك الأقمار الصناعية لم تُطلق أيضا لصالح روسيا حصرا وإنما أُطلقت لصالح ١٨ دولة مختلفة.
في أعقاب الغزو، انخفض ذلك الرقم حسب موقع Space حتى وصل إلى ٤٦ قمرا صناعيا فقط، أطلقتها روسيا في العام الجاري.
بلغت عائدات وكالة الفضاء الروسية حوالي ٣.٧ مليار دولار أميركي في العام الماضي. (المصدر: وكالة فرانس برس)
لا يقارن ذلك بمعدل الأقمار الصناعي التي وقعت تحت إدارة الولايات المتحدة في العام الماضي والذي وصل حوالي ٤٥٠٠ قمر صناعي وفقا لتقدير نشره موقع بلومبرغ.
بخسارة حصتها من الأنشطة الفضائية، تتعرض روسيا كذلك لخسارة اقتصادية، إذ بلغ حجم اقتصاد الفضاء للعام الماضي حوالي ٤٦٤ مليار دولار أميركي، إلا أن عائدات وكالة الفضاء الروسية بلغت حوالي ٣.٧ مليار دولار أميركي فقط.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة