أمن
.
هل سمعت من قبل بفجوة دارين؟
ليست منطقة خيالية، أو نطاق تحوم حوله الأساطير كمثلث برمودا، لكنها مخيفة بالقدر ذاته.
تمتد فجوة دارين على مساحة قدرها ١٧ ألف و١٤ كيلومترا مربعا، ويقع جزء منها على الحدود بين كولومبيا وبنما، لكنها لا تكتسب شهرتها الواسعة من أهميتها لأي من البلدين؛ بل للولايات المتحدة الأميركية شمالا، إذ تعتبر تلك المنطقة نقطة العبور البرى الوحيدة ما بين أميركا الجنوبية وأميركا الوسطى على طريق الهجرة للولايات المتحدة.
هناك، حيث الغابات المطيرة والمستنقعات والحيوانات البرية قد تُكلل أحلام الهجرة غير الشرعية بوصول منتظر إلى الحدود الأميركية المكسيكية، وقد تستحيل إلى كوابيس بفعل التعرض لعوامل الطبيعة القاسية أو الوقوع في أيدي عصابات وتشكيلات إجرامية.
إلا أن الآلاف يحاولون على كل حال أن يصلوا إلى الحلم الأميركي عن طريق الغابة الوعرة، وقدرت حكومة بنما الإثنين الماضي أن المهاجرين من خلال فجوة دارين خلال العام الجاري وصلت أعدادهم لحوالي ٢٤٨ ألف و٩٠١ شخصا، فيما تتوقع السلطات أن تصل أعداد المهاجرين بنهاية العام إلى حوالي ٤٠٠ ألف شخص.
بينما يمثل عبور البحر المتوسط نقطة فارقة مميتة على طريق الهجرة من القارة السمراء إلى أوروبا، تقف فجوة دارين كعقبة مماثلة على طريق الهجرة من أميركا الجنوبية إلى أميركا الشمالية وبالتحديد الولايات المتحدة.
وفيما قد تمثل المنطقة فجوة تتعلق فيها الآمال ويقف الزمن ما بين الحياة قبل الهجرة وبعدها، فأنها على نحو جغرافي فجوة حقيقة على الطريق السريع للبلدان الأميركية، أو بالأحرى الفجوة الوحيدة على الطريق المعبدة، فحين يدخل المهاجر منطقة دارين يكون قد ترك الأسفلت والحضارة والمياه النقية خلفه، في رحلة قد تستغرق أكثر من ١٠ أيام.
قد تستغرق رحلة عبور فجوة دارين أكثر من ١٠ أيام. (المصدر: وكالة رويترز)
بحسب وكالة فرانس برس، وصفت نائبة مدير الهجرة في بنما، ماريا إيزابيل سارابيا في مؤتمر صحفي ذلك الممر بـ "الأخطر في العالم" مع ذلك يتزايد عدد عبوره بشكل مستمر.
ففي العام ٢٠٢١، أي قبل عامين فقط لم يتجاوز عدد المهاجرين عبر الممر ١٣٣ ألف شخص، فيما تتوقع الحكومة في بنما، يقع داخل حدودها الجزء الأكبر من الفجوة، أن يصل إجمالي عدد المهاجرين عبر الممر بنهاية العام الجاري ٤٠٠ ألف شخص.
ففي سبيل محاولة وقف تدفق الهجرة غير الشرعية إلى أراضيها، تضغط الولايات المتحدة على جارتها الجنوبية؛ المكسيك التي بدورها تعزز وتزيد من متطلبات الحصول على فيزا السفر إلى أراضيها.
عبر تلك الآلية يتعذر على المهاجرين السفر عبر الطيران إلى المكسيك تمهيدا لعبور الحدود، فيضطرون لسلوك الطريق البري وعبور الغابات المظلمة، حسب موقع مجلس العلاقات الدولية وهو مركز بحثي غير ربحي في الولايات المتحدة.
في تلك المنطقة المنعزلة عن الحضر والبشر، يمكن للطبيعة أن تظهر أوجه عديدة، في مقدمتها وجه الغابة الاستوائية المطيرة شديدة الرطوبة، بحسب موقع جمعية الحفاظ على الحياة البرية، تحظى المنطقة أيضا بأنماط متنوعة من الغطاء النباتي، ما بين غابات المانغروف، والغابات القزمة والغابات السحابية.
بالرغم مما تبدو عليه ملامح المنطقة من هدوء وجمال وتنوع بيولوجي، قد تتحول تلك العناصر الجمالية ذاتها إلى عقبات ما إذا كنت تنوي عبور تلك المنطقة سيرا على الأقدام وتبيت في العراء أيام متتالية وصولا إلى وجهه محددة، خاصة ما إذا أضفت للمعادلة منحدرات جبلية قد يصل ارتفاعها إلى ٢٥٠٠ متر، قد يتعين على المهاجرين تخطيها.
إلى جانب الطبيعة القاسية يواجه المهاجرون تنظيمات إجرامية. (المصدر: وكالة فرانس برس)
لم تطرح حكومة بنما أي أعداد تقديرية للوفيات التي تنجم عن محاولة عبور تلك الغابات مقابل أعداد العبور بنجاح، إذ أن أغلب تلك الوفيات لا يُبلغ عنها بشكل رسمي، إلا أن منظمة الهجرة الدولية قدرت عدد الوفيات في العام ٢٠٢٢ بحوالي ٣٦ حالة وفاة.
أما عن أعداد الأطفال والمراهقين الذين تتعرض حياتهم الخطر في تلك المنطقة فتصل لهذا العام وفقا لحكومة بنما حوالي خمس المهاجرين، نصفهم في الخامسة من العمر أو أقل.
الطبيعة القاسية ونقص مياه الشرب النقية ليست كل ما يخيف في فجوة دارين، فهناك أيضا بشر، بالتحديد مهربين وأفراد تنظيمات يتبعون كيانات إجرامية منظمة بالإضافة إلى مليشيات وتنظيمات شبه عسكرية، تتخذ من ظلمة الغابات غطاء لها، وعندما تتقاطع طرق هؤلاء بالمهاجرين، قد لا يسفر الأمر عن نتائج محمودة.
ففي الغابات، يمكن أن يتعرض المهاجرين للسرقة والنهب أو الاغتصاب وحتى الوقوع بين أياد عصابات تعمل في الاتجار بالبشر.
بجانب هؤلاء، من الممكن أيضا أن يدفع المهاجرين مقابل عبورهم منطقة الغابات برفقة دليل من السكان المحليين، ويطلق على هؤلاء اسم coyotes أو بالعربية ذئاب البراري.
خمس المهاجرين عبر تلك الطريق الوعرة أطفال ومراهقين. (المصدر: وكالة رويترز)
تبدأ رحلة المهاجرين عادة من قرية Necoclí الكولومبية حيث ينتظر المهاجرين في العراء في انتظار عبارات بسيطة تحملهم إلى قرية Acandí التي تبتعد كيلومترات معدودة عن حدود بنا حيث تبدأ الرحلة الحقة.
بالنسبة للكثيرين تنتهي الرحلة لدى قرية في شرق بنما يُطلق عليها Bajo Chiquito، هناك ينتظر المهاجرين بعد رحلة مضنية منظمات إغاثة كأطباء بلا حدود، إلا أن العثور على دورات مياه كافية أو مياه شرب نظيفة يظل عسيرا.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة