أمن
.
في ربيع العام ١٩٤٥ تحركت المياه الراكدة، مؤشر النصر يتحرك باتجاه الحلفاء والسماء الألمانية مظلمة بفعل وابل القنابل التي تمطرها الولايات المتحدة، وقوات الحلفاء. فزع وخوف وموت، بينما ينحسب الزعيم النازي إلى مخبئه ومستقره الأخير قبل الهزيمة.
بالرغم من مرور ٧٨ عاما على ذلك الفصل من تاريخ الإنسانية، ما تزال آخر أيام الرايخ الثالث قادرة على العودة والقفز إلى مقدمة أذهاننا والسر، تلك الذخيرة الكثيفة التي دمرت ملامح برلين ودريسدن ودوسلدورف قبل عقود، ولا تزال قادرة على خلق حالة مماثلة من الفزع والترقب بين سكان المدينة.
بالأمس فقط، اضطر ١٣ ألف شخص في مدينة دوسلدورف لمغادرة منازلهم في ظروف طارئة، إذ عثرت السلطات على قنبلة أميركية من مخلفات الحرب العالمية الثانية يصل وزنها حوالي طن، وبدأت السلطات في محاولة إبطال مفعولها مساء الإثنين بحسب وكالة فرانس برس.
واقعة دوسلدورف ليست فريدة بأي حال، ففي ألمانيا والمملكة المتحدة ومناطق أخرى حول العالم ما تزال مخلفات الحرب العالمية الثانية هاجس مؤرق، يهدد أمن وسلامة المواطنين على الرغم من مضي عقود طوال على نهاية القتال، وكأن حرب القرن العشرين الثانية تأبى إلا أن تحصد المزيد من الضحايا.
يعتقد آن الحلفاء ألقوا بما يقارب ٢.٧ مليون طن من المتفجرات على الجبهة الأوروبية. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
يوميات الحرب تعيد إنتاج ذاتها مرة أخرى، عندما أخلت السلطات في دوسلدورف السكان، وخصصت أماكن في المدارس المحلية لإقامة المتضررين، كما تعرقلت حركة المواصلات العامة في المدينة.
فرضت السلطات كذلك نطاقا آمنا حول موضع القنبلة في مسافة نصف قدرها حوالي ٥٠٠ متر بحسب موقع دويتش فيلا الألماني.
إلا أن تلك ليست المرة الأولى التي تواجه فيها مدينة ألمانية خطر انفجار قنبلة من الزمن الحرب العالمية الثانية، فسيناريو الإجلاء السريع يتكرر بشكل دوري كلما عُثر على قطعة من مخلفات الحرب، ففي العام ٢٠١٧ على سبيل المثال اكتشفت قنبلة في مدينة فرانكفورت تخطى وزنها الطن، بينما انفجرت قنبلة أخرى في ميونخ، ديسمبر من العام ٢٠٢١ ما أدى لإصابات، وتوقف في حركة السكة الحديد بالمدينة.
إلى اليوم تكتشف ألمانيا آلاف الأطنان من المتفجرات التي خلفتها الحرب. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
يصل حجم المتفجرات التي يعثر عليها في ألمانيا كل عام لحوالي ٢٠٠٠ طن، بحسب تقرير لمجلة Smithsonian، إلا أن اكتشاف وتعطيل تلك المتفجرات لا يمر دائما مرور الكرام. فمنذ العام ٢٠٠٠ على سبيل المثال فقدت ألمانيا ١١ فنيا أثناء محاولة تفكيك إرث الحرب العالمية، بينهم ٣ ضحايا في حادث انفجار واحد.
يعتقد أن الحلفاء كانوا قد ألقوا على ساحة القتال الأوروبية إبان الحرب ما يقارب ٢.٧ مليون طن من المتفجرات، نصف تلك الكمية استهدفت ألمانيا وحدها، بيد أن نسبة القنايل غير المنفجرة وصلت إلى حوالي ١٠٪.
في بدايات الحرب العالمية الثانية، لم تكن المملكة المتحدة في موقف تُحسد عليه، حيث أمطرت ألمانيا بدورها سماء بريطانيا بالقنابل، وما تزال السلطات تتلقى إلى اليوم نداءات طوارئ بشأن تلك المخلفات، إذ يعتقد أن ١٠٪ من القنابل الألمانية التي سقطت على منطقة ويلز لم تنفجر، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية.
في خمسينات القرن الماضي وصل معدل بلاغات الطوارئ المتعلقة بقنابل غير منفجرة حوالي ٨٠ بلاغا كل عام، بينما انخفضت المعدلات مؤخرا لتصل حوالي ٢٠ بلاغا فقط.
يصل عمر بعض قنابل الحرب الثانية ٧٨ عاما. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)
في صحراء مصر الغربية، بالتحديد منطقة العلمين، ترك السباق شرقا بين دول الحلفاء والمحور مصاعب من نمط آخر، مدفونة تحت سطح الأرض على بعد محدود للغاية، ومن ثم ما تزال قادرة أيضا على حصد الأرواح.
يعتقد أن الصراع في الصحراء الغربية المصرية بين قوات المحور والحلفاء، خلّف ما يقارب ١٧.٥ مليون لغم أرضي في مساحة تزيد عن حوالي ربع مليون فدان من الأراضي، بحسب صحيفة الشرق الأوسط، وتمكنت الحكومة المصرية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي من إزالة حوالي ١.٢ مليون لغم فقط من الإجمالي الضخم للألغام.
وفي العام ٢٠١٧ حصلت مصر على تمويل قدره ٤ ملايين و٧٠٠ ألف يورو من الاتحاد الأوروبي للمساعدة في مشروعها لإزالة الألغام.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة