بعد نجاح خطة الولايات المتحدة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في العام ٢٠٢٢، تستكشف واشنطن الآن إمكان حلّ النزاع الحدودي البري طويل الأمد بين البلدين لبنان وإسرائيل، وفق تصريح كبير المستشارين بالبيت الأبيض، آموس هوكستين، الذي كان في زيارة لبيروت استمرّت يومين وانتهت في اليوم الأخير من أغسطس. وأشارت معلومات صحافية إلى إسرائيل مستعدة للانسحاب من نقاط ساخنة، في ما يستمر الخلاف على نقاط أخرى.

فماذا حمل هوكستين لبيروت؟ وهل ينتهي النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل؟

حل ٧ من ١٣ نقطة ساخنة

المحللة والكاتبة السياسية اللبنانية، روزانا بومنصف، قالت في حديث لموقع بلينكس، إن إسرائيل لا مشكلة لديها بشأن ٧ نقاط ساخنة على الحدود وأبدت استعدادها بالانسحاب منها، من خلال الوسيط الأميركي.

وأوضحت بومنصف أن إسرائيل مستعدة للانسحاب من ٧ نقاط من أصل ١٣ نقطة، والبقية يستمرّ الأخذ والردّ بشأنها.

لكن بالنسبة للمحلة السياسية يبقى السؤال الأبرز هو أنه هل يمكن يشمل ترسيم الحدود البرية قرية الغجر المقسومة بين لبنان وإسرائيل بموجب الخط الأزرق، وسكانها يعتبرون أنفسهم سوريين ويرفضون بشكل قاطع أن يكونوا في الجزء اللبناني.

يسكن هذه البلدة الفريدة نحو ٢٧٠٠ شخص، يبقى مصيرها مجهولا ومشتتا بشكل غريب بين ٣ دول، بحسب بومنصف، التي تتابع "المشكلة الأخرى تكمن في تثبيت حدود مزارع شبعا، كون سوريا لم تعترف أن مزارع شبعا لبنانية".

وحتى لو حل لبنان مشاكله البرية مع إسرائيل، من المستبعد أن ينتهي النزاع الحدودي البري، لاعتبارات عدة عدة، منها الموقف السوري حيال الحدود البرية اللبنانية، وفق بومنصف.

النظر "طبيعي"

هوكستين قال إن من "الطبيعي" النظر قضية الحدود البحرية بعد ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في 2022، الأمر الذي مهد الطريق لبدء أنشطة التنقيب البحرية لصالح لبنان الأسبوع الماضي. وأضاف كبير المستشارين بالبيت الأبيض أنه زار جنوب لبنان خلال رحلته "لفهم ومعرفة المزيد عما هو مطلوب كي يتسنى تحقيق نتيجة محتملة". وأردف: "لقد آن الأوان لأن أستمع إلى الطرف الآخر وأجري تقييما بشأن ما إذا كان هذا هو الوقت المناسب لذلك".

وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب قال لرويترز إن هوكستين سيتحدث مع إسرائيل وإذا وافق الطرفان فإن أميركا ستكون مستعدة "للعمل معنا".

ويُعرف الخط الفاصل الحالي بين البلدين باسم الخط الأزرق، وهو عبارة عن خط حدودي رسمته الأمم المتحدة عند الحد الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية عندما غادرت جنوب لبنان عام 2000.

واندلع التوتر على امتداد الخط هذا الصيف، مع إطلاق صواريخ على إسرائيل خلال موجات العنف الإسرائيلي الفلسطيني، ومواجهات بين أعضاء ميليشيا حزب الله، المدعومة من إيران، أو أنصار لها مع القوات الإسرائيلية. وقال وزير الخارجية اللبناني في الأسبوع الماضي إن ترسيم الحدود البرية يمكن أن يضع حدا لهذا التوتر، وفق رويترز.

واستضافت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل)، والتي مُددت ولايتها لمدة عام آخر الخميس، اجتماعات لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة بشأن نقاط الخلاف التي تمنع ترسيم الحدود البرية.

اتفاق تاريخي

في أكتوبر وبعد وساطة طويلة أجراها هوكستين، وقعت إسرائيل ولبنان اتفاقا وصف بأنه "تاريخي" ينص على ترسيم الحدود البحرية ويرفع العقبات أمام التنقيب عن النفط والغاز في البحر.

وباشر لبنان الذي تعوّل سلطاته على وجود ثروات طبيعية تساعده على تخطّي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي المستمرّ منذ أكثر من ٣ سنوات، الأسبوع الماضي الحفر في الرقعة رقم 9 حيث يقع حقل قانا الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين، وفق فرانس برس.

وضمَن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل للبنان حقل قانا، على أن تحصل إسرائيل على تعويض من مشغلّي الرقعة 9. وأضاف المبعوث الأميركي "في الأيام الأخيرة أتيت إلى هنا لأطلع على موقف الحكومة اللبنانية وزيارة الجنوب وأرى بنفسي الخط الأزرق ومحيطه لكي أفهم (..) ما هو ضروري للتوصل إلى نتيجة محتملة".

إثر انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000 بعد احتلال دام 22 عاما، رسمت الأمم المتحدة "الخط الأزرق" وهو بمثابة حدود بين لبنان وإسرائيل. وينتشر جنود دوليون في جنوب لبنان منذ العام 1978، حسب الوكالة الفرنسية.

ودعا هوكستين من جهة أخرى إلى انتخاب رئيس للبلاد "يطبق الإصلاحات" الضرورية لحصول لبنان على مساعدات دولية. وقد شغر منصب الرئيس في لبنان منذ أكتوبر 2022. وأضاف: "اتطلع إلى رؤية الوتيرة التي ستطبق فيها الاصلاحات وقد أصبت بخيبة أمل بسبب الفرص المهدورة". وخلال زيارته توجه هوكستين بمروحية إلى بعلبك في شرق البلاد حيث لحزب الله وجود كبير.

في العام 2006 دارت حرب مدمرة بين إسرائيل وحزب الله أودت بأكثر من 1200 شخص في لبنان غالبيتهم من المدنيين و160 في صفوف الإسرائيليين معظمهم عسكريون.

اعرف أكثر عن..

القرية الأكثر غرابة

ربما تكون قرية الغجر واحدة من أغرب الأماكن في الشرق الأوسط، قرية علوية سورية، يسكنها 2700 شخص في مرتفعات الجولان المحتلة، والتي تمتدّ على الخط الأزرق الذي يفصل بين إسرائيل ولبنان. إنها أكثر هدوءا وجمالا مما قد يوحي به موقعها: تم طلاء المنازل الكبيرة بألوان زاهية، وتزين النوافير والتماثيل الدوارات، ويتمتع المجتمع بحديقة عامة يتم الاعتناء بها جيدا ومليئة بالزهور والأشجار، وفق تقرير لصحيفة الغارديان.

الغجر، منطقة عسكرية مغلقة منذ 22 عاما، ولا تسمح للزوار بالدخول إلا بإذن خاص من المجلس البلدي والجيش الإسرائيلي، وفق التقرير.

لكن في أوائل سبتمبر ٢٠٢٢، أعلن الجيش الإسرائيلي والشرطة، من دون سابق إنذار، أنهما لن يطلعا بعد الآن على بطاقات الهوية عند نقطة التفتيش عند مدخل القرية.

تشتهر الغجر أيضًا بالطعام السوري اللبناني التقليدي مثل الشنكليش - وهي كرات كبيرة من الجبن السميك والجاف المتفتت يتم تحضيرها على مدار يومين ومغطاة بمزيج خاص من الأعشاب والتوابل.

وعلى عكس بقية الجولان، الذي احتلته إسرائيل منذ عام 1967، يتم التعامل مع قرية الغجر كجزء رسمي من إسرائيل، فقد تعرض الناس هنا لضغوط للحصول على الجنسية الإسرائيلية في عام 1981، حسب تقرير الغارديان.

في العام 2000، عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من لبنان، توصل ممثلو الأمم المتحدة إلى الخط الأزرق بين البلدين، مما أدى إلى تقسيم قرية الغجر إلى قسمين. وكان من المفترض أن تسيطر الحكومة اللبنانية على القرية بالكامل بعد حرب عام 2006، لكن تم تهميش الجهود الدبلوماسية بسبب اندلاع الحرب الأهلية في سوريا.

يمتد سياج حول محيط القرية بأكملها، وليس داخلها، وأصبح خط ترسيم الحدود الفعلي هو نهر الحاصباني، الذي يتدفق عبر واد صغير بين الغجر والوزاني، وهي قرية لبنانية صغيرة على الجانب الآخر، حسب التقرير.