قرارات بن غفير تعيد لبلال ذكريات الأسر و"النوم على الباطون"

بشكل مفاجئ، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي الأسبوع الماضي تقليص الزيارات العائلية للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية لمرة كل شهرين.

في الأثناء سارع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تكذيب الخبر، والقول إنه لن يتم فرض تلك القيود الجديدة إلا بعد التشاور مع الأجهزة الأمنية في الأسبوع المقبل.

إلا أن أسرى ذوي حالات أمنية خاصة ممنوعون من الزيارة أصلا، وأحد هؤلاء الأسرى هو أخ بلال، عزام ذياب المسجون منذ ٢٠٠١ ومحكوم بالمؤبد.

نتنياهو يرى أن مثل هذا القرار يحتاج للتروي لدراسة عواقبه على الساحة الفلسطينية وتأثيره على فرص التصعيد في الشارع.

لكن بن غفير أحرج نتنياهو بشكل فظ عندما أصر على أن قرار تقليص الزيارات تم اتخاذه بالفعل ولا تراجع عنه، وأن المفتشة العامة في مصلحة السجون الإسرائيلية كيتي بيري تم تبليغها بالقرار رسمياً، ويتوجب عليها تنفيذه فوراً بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت.

علاوة على ذلك، الوزير المدان سابقاً بتهم التحريض العنصري ودعم منظمة إرهابية قام بإلغاء إطلاق السراح المبكر لنحو ألف أسير فلسطيني، على الرغم من اعتراض هيئة السجون وجهاز الشاباك وفقاً لهآرتس.

السجون الإسرائيلية سعتها الاستيعابية في العادة هي نحو 14,500 فرد، لكن يوجد فيها الآن أكثر من 16,279 سجين، منهم حوالي 5 آلاف أسير فلسطيني من الأراضي المحتلة.

وتضيف الصحيفة الإسرائيلية أن الاكتظاظ المفرط في السجون الإسرائيلية يعني أن الجيش الإسرائيلي "لا يستطيع في كثير من الأحيان اعتقال المشتبه فيهم بارتكاب جرائم إرهابية بسبب نقص أماكن الاحتجاز".

لذلك، قام الكنيست الإسرائيلي بتمرير قانون يسمح بالإفراج المبكر عن السجناء المحكومين بثلاثة أعوام أو أقل، وهو ما كان سيؤدي إلى إطلاق سراح نحو 1500 سجين.

لكن بن غفير قام بوضع استثناء للقانون يمنع الإفراج المبكر عن السجناء الفلسطينيين بذريعة أنهم سجناء أمنيون لا جنائيون، وهو قرار أغضب الجهات الأمنية.

خلال حديثه مع "بلينكس"، شرح بلال ذياب بأنه أمضى مع إخوته الأربعة ما مجموعه نصف قرن في سجون نفحة وشطة وعوفر وجلبوع والنقب الإسرائيلية.

وخلال فترة إضراب بلال عن الطعام في ٢٠١١ واجه ضغوطات عديدة من إدارة السجون الإسرائيلية لكي يعلّق إضرابه، إلا أن لم يستجب لهم.

وقضى بلال فترة اعتقاله في سجن النقب في زنزانة شبابيكها مغلقة في الصيف ومفتوحة في الشتاء، إلا أن أصعب ما واجهه هو غرفة العزل الانفرادي في فترة التحقيق التي تسبق فترة السجن العادي مع المساجين الفلسطينيين.

فقد ظل بلال في العزل الانفرادي مدة سبعين يوماً كان يتعرض فيها للشبح كل أسبوع فترة يوميين متتاليين.

وحول قرارات بن غفير وتغليظ الإجراءات، قال بلال ساخراً إن بعض الجنود الإسرائيليين يتعاونون مع السجناء مقابل المال ويؤمنون لهم هواتف نقالة يجرون من خلالها مكالمات.

وقال بلال: "قرارات بن غفير غير مهمة لأن جنوده متخاذلين ويضعفون أمام المال، لذلك سيبقى الأسرى على تواصل مع أهلهم من خلال الهواتف المحمولة".

في شهر فبراير الماضي، ظهر بن غفير في مقطع مصور على منصة "تيكتوك" وأمامه فطور متنوع وخبز طازج، ليسخر من الأسرى الفلسطينيين الذين منعهم من صناعة الخبز في داخل السجون بحجة أن الحبس يجب أن يكون أكثر إيلاماً وبؤساً.

الوزير ظهر وهو يضحك ويقول بأن هذه هي مجرد البداية، قبل أن يبدأ بتناول الخبز.

منذ ذلك الحين، وقادة المعارضة الإسرائيلية يسمون بن غفير "بوزير خبز البيتا" وأيضاً "مهرج التيكتوك"، حيث يرون بأنه لا فائدة من مثل ذلك القرار سوى الاستعراض والشعوبية.

لكن ذلك لم يثن الوزير عن المضي قدماً في خطوات مشابهة. ففي الشهر نفسه، أمر بن غفير بأن لا يزيد وقت استحمام الأسرى الفلسطينيين يومياً عن دقيقتين لأربعة دقائق.

وأعطى الوزير التعليمات لإدارة مصلحة السجون لزيادة حملات تفتيش غرف الأسرى والأسيرات ومصادرة متعلقاتهم الشخصية وأي أجهزة إلكترونية بحوزتهم.

ثم في شهر يوليو، ألغى السياسي اليميني المتطرف الرعاية الطبية للأسنان عن الأسرى الفلسطينيين، وفرض قيوداً زمنية ورسوماً باهظة على من يلجؤون لطبيب الأسنان في السجون بلغت أكثر من خمسين دولار في الساعة الواحدة.

الوزير قال إيضاً إنه يعمل على تقليص وصول الأسرى الفلسطينيين لشامبو الشعر في مقصف السجون، بالإضافة إلى خفض مدة الاستراحة في باحة السجون ورفع عدد الأسرى في كل غرفة.

لكن الأجهزة الأمنية ترى أن تلك الخطوات الاستفزازية قد تؤدي إلى رفع التوتر في السجون وإشعال نيران التصعيد في الشارع.

قرارات الوزير بن غفير العقابية لا تنطبق سوى على الأسرى الفلسطينيين بشكل شبه كامل.

السبب هو أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يتم محاكمتهم في محاكم عسكرية بعقوبات مغلظة، ويتم إدانتهم "بجرائم أمنية" أي "إرهابية"، بينما المستوطنون الإسرائيليون في نفس الأراضي يحاكمون في محاكم مدنية.

قرارات الوزير تلك تنطبق على السجناء الأمنيين فقط، على سبيل المثال، إذا قام طفل فلسطيني بإلقاء حجر على مركبة للجيش أو المستوطنين، فقد تتم محاكمته في محكمة عسكرية بتهمة الإرهاب أو جريمة أمنية، وقد تصل العقوبة في هذه الحالة للسجن 20 عاماً.

بينما إذا قام مستوطن بإلقاء حجر على مركبة فلسطينية، فقد تتم محاكمته في محكمة مدنية بتهمة ارتكاب جنحة، وتكون العقوبة في العادة عدد معين من الساعات من الخدمة المجتمعية Community Service في أسوأ الأحوال.

اليوم يشعر بلال بالحسرة عندما يتذكر أيامه مع أصدقائه في السجن، ويتمنى لهم أن يخرجوا مثلما خرج، ويقول: "إنسانيا، أشعر بالحرج من نفسي عندما أشاهد نفسي حراً طليقاً، وأصدقائي ما زالوا في قبضة السجّان".

بموجب هذا النظام التمييزي، يبلغ معدل إدانة الفلسطينيين في المحاكم الإسرائيلية نحو 99.74%، في حين يبلغ معدل إدانة الإسرائيليين في الهجمات المبلغ عنها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة حوالي 1.8%.

علاوة على ذلك، ربع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية لم تتم محاكمتهم من الأصل أو توجيه التهم إليهم، بل تعتقلهم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بفترات مفتوحة فيما يعرف بـ "الاعتقال الإداري".

البروتوكول الإضافي لاتفاقية جنيف يقر بأن أي فلسطيني تقوم إسرائيل باعتقاله بتهم المقاومة المسلحة ضد احتلالها يعتبر "أسير حرب" له حقوق مكفولة وفقاً للقانون الدولي.

لكن إسرائيل لم تقم بتصديق هذا البروتوكول بعد، وتجادل بأن السجناء الفلسطينيين هم "إرهابيون" أو "سجناء أمنيون".

لجنة الطوارئ العليا للحركة الأسيرة في فلسطين أعلنت أن الأسرى في السجون الإسرائيلية سيبدؤون إضراباً جماعياً عن الطعام بشكل مفتوح في منتصف الشهر الحالي احتجاجاً على قرارات الوزير المتطرفة، ويأتي ذلك بعد قيام ألف أسير بإعلان إضرابهم عن الطعام في السابع عشر من شهر أغسطس الماضي.

وفي كل مرة يعلن الأسرى الفلسطينيون مثل هذه الإضرابات، تسارع إدارة السجون لنقل قادة الإضراب للعزل الانفرادي وهو ما ينذر بتصعيد الأحداث ونقل التوتر لخارج السجون، خاصة عند قيام السلطات الإسرائيلية بالاعتداء على بعض الأسرى أو إذا ما تدهورت صحة بعض الأسرى.

في شهر فبراير الماضي، أُطلقت ثلاثة صواريخ محلية الصنع من قطاع غزة على البلدات الإسرائيلية الجنوبية رداً على التضييق على الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية.

جماعة مجهولة نشرت صوراً لتلك الصواريخ البدائية كتب عليها "الأسيرات خط أحمر".

وتجدد إطلاق الصواريخ من غزة في بداية شهر مايو، بعد موت الأسير الفلسطيني المضرب عن الطعام خضر عدنان المنتمي لحركة الجهاد الإسلامي.

عدنان توفي في زنزانته وحيداً بعد رفض إدارة السجون نقله لمستشفى مدني والسماح لزوجته بزيارته، وكان هذا إضرابه السادس عن الطعام، حيث اعتقلته إسرائيل 12 مرة، العديد منها كان اعتقالاً إدارياً بدون تهمة أو محاكمة.

وفاة عدنان والرد بالصواريخ تلك، أدى لإشعال تصعيد عسكري كبير في غزة، حيث قامت إسرائيل بقصف واغتيال عدة قيادات من الجهاد الإسلامي في "عملية السهم والدرع".

وأدى التصعيد إلى قتل نحو 33 فلسطينياً منهم 14 مدني ومقتل إسرائيلي واحد. وتدخل عدة وسطاء دوليون في ذلك الحين للتوصل لهدنة بين الأطراف قبل تدهور الأوضاع نحو مواجهة شاملة.

لذلك، ترى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأن موضوع الأسرى الفلسطينيين أمر معقد وشديد الحساسية، وتخشي من أن تؤدي القرارات القمعية لتصعيد من هذا القبيل، خاصة في ظل حالة التوتر والاحتقان الشديدة في الأراضي المحتلة، وتنامي موجات عنف المستوطنين ضد المدن والقرى الفلسطينية.