"سيدة القنبلة".. الفيتنامية التي نجت من حرب أميركا لتطور قنابلها

بدأت رحلة ذونغ من طفولة حرب فيتنام إلى مختبر ذخيرة تابع للبحرية الأميركية عند بوابة منزل والديها في سايغون أواخر الستينيات، عندما كانت في السابعة من عمرها تقريبًا.

كان والدها مسؤولًا زراعيًا رفيع المستوى في حكومة فيتنام الجنوبية المناهضة للشيوعية، وكان شقيقها طيار مروحيات لدى الفيتناميين الجنوبيين، وكان على وشك مغادرة منزل العائلة في مهمة، كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز.

وتتذكر دونغ، وهي تبكي، أنها تمنت "أن يكون لديها عصا سحرية، تُعطيه أفضل سلاح وأكثرها تطورًا ليتمكن من الفوز والعودة سالمًا". تكرر هذا المشهد مرارًا وتكرارًا خلال الحرب الطويلة، وفي النهاية قطعت الفتاة عند البوابة وعدًا على نفسها.

قالت ذونغ: "لو كان هناك أي سبيل، لفعلت ذلك من أجل الجنود الأميركيين الذين واصلوا حمايتي وعائلتي. سأمنحهم أفضل السبل للعودة" إلى عائلاتهم.

في أبريل 1975، وبينما كانت سايغون على وشك السقوط في أيدي الفيتناميين الشماليين، قام شقيق دونغ وطيار مروحية آخر بتسليمها هي ووالديها وإخوتها وعائلتها الممتدة إلى سفينة تابعة للبحرية الفيتنامية الجنوبية متجهة إلى الفلبين.

تقول إنهم كانوا محظوظين. فبعد الهزيمة الأميركية، حاول ملايين الفيتناميين من "لاجئي القوارب" الفرار. وتقدر الأمم المتحدة أن ما يصل إلى 250 ألفًا منهم لقوا حتفهم.

انتهى الأمر بالعائلة في واشنطن العاصمة، حيث كان لديهم أقارب وكنيسة تهتم بشؤونهم، وهي الكنيسة المعمدانية الأولى في العاصمة الأميركية.

تتذكر دونغ: "لقد جئنا إلى هنا لاجئين خاليي الوفاض فقراء للغاية، والتقينا بالعديد من الأميركيين الكرماء والطيبين". جدد تدفق المساعدة عزمها على رد الجميل للأميركيين الذين رحبوا بعائلتها.

وفرت الكنيسة لأهل ذونغ لاحقا شقة في ضاحية ماريلاند القريبة، وكانت دونغ تبلغ بالكاد 16 عامًا، ولم تكن تتحدث الإنكليزية كثيرًا. لكنها كانت طالبة موهوبة، وتخرجت عام 1982 بمرتبة الشرف في جامعة ماريلاند حاصلة على شهادة في الهندسة الكيميائية، لتستكمل الماجستير في الإدارة العامة من الجامعة الأميركية، لتلتحق بوظيفة مدنية في سلاح البحرية الأميركية، إذ انجذبت إلى "الأشياء التي تتحرك وتدوي"، كما قالت للكاتب جورج ويل عام 2007.

ترقت دونغ لتصبح بحلول عام 2001 مديرة قسم التطوير المتقدم للذخائر غير الحساسة في قسم "إنديان هيد" التابع لمركز الحرب السطحية البحرية، في مقاطعة تشارلز بولاية ماريلاند.

وكانت قد بدأت بالفعل العمل على المتفجرات التي استُخدمت في نهاية المطاف في أفغانستان عندما هاجم تنظيم القاعدة البنتاغون وبرجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001.

تتذكر أن العقيد توماس وارد من القوات الجوية، وهو مسؤول كبير في وكالة الحد من التهديدات الدفاعية، أخبرها: "سندخل أفغانستان بسرعة. ماذا يمكننا أن نفعل في أسرع وقت ممكن؟".

اختصرت ذونغ وفريقها العلمي والتقني المكون من 100 عضو 5 سنوات من العمل في 67 يومًا، لتركيب متفجرات قاتلة ملتصقة بالبلاستيك، تُسكب كعجينة الكيك في أغلفة قنابل القوات الجوية. أجرى الفريق حسابات واختبر الخطوات في آنٍ واحد حتى حصلوا على 420 غالونًا من المتفجرات.

وفي نهاية أيام العمل الطويلة في المختبر، قالت دونغ: "لم يرغب أحد في المغادرة. اضطررتُ لطرد الناس. لا يُمكن أن تشعر بالتعب وأنت تعمل بالمتفجرات".

كانت القنبلة BLU-118/B، وهي قنبلة موجهة بالليزر مصممة للانتقال عميقًا إلى الأماكن الضيقة مثل الأنفاق تحت الأرض التي احتلها تنظيم القاعدة في أفغانستان. وترمز BLU إلى وحدة القنبلة الحية، وليست كبيرة وصاخبة وقبيحة، "وهو ما يقوله الجنود"، كما قالت دونغ في مقابلة في منزلها في ضاحية ماريلاند.

أنتجت القنبلة انفجارًا مستمرًا عالي الحرارة، "حتى لا يضطر رجالنا إلى تطهير هذه التلال أو الكهوف سيرًا على الأقدام"، كما قالت دونغ لنيويورك تايمز. استُخدم هذا السلاح، الذي طورته "سيدة القنبلة" في البحرية وفريقها، بشكل متكرر في أفغانستان، ويُنسب إليه من قِبل آخرين الفضل في تقصير أطول حرب أميركية.

قبل تصميم قنبلة BLU-118/B، كانت دونغ وفريقها يعملون على جيل جديد من "المتفجرات عالية الأداء وغير الحساسة، التي يمكنها تحمل المرور عبر طبقات الصخور أو جدران البناء قبل الانفجار".

كانت هذه جزءًا من عائلة المتفجرات المعبأة في قنبلة اختراق المخابئ، والمعروفة رسميًا باسم GBU-57 Massive Ordnance Penetrator، والتي استخدمتها الولايات المتحدة في إيران. أُلقيت 12 قنبلة من هذه القنابل على الموقع النووي الإيراني في فوردو، الواقع في أعماق جبل. وأُلقيت قنبلتان أخريان على المنشأة النووية في نطنز.

رغم أن ذونغ لم تدخل في الجدل الدائر حول مدى الضرر الذي ألحقته القنابل الخارقة للتحصينات لمنشآت إيران النووية، بالرغم من إصرار الرئيس دونالد ترامب على أن الهجوم "دمّر" هذه المنشآت، وهدّد بمقاضاة المؤسسات الإخبارية التي أثارت شكوكًا، تقول دونغ إنه لا يمكن قياس مدى نجاح القنبلة من واشنطن أو إسرائيل أو حتى طهران.

قالت: "فكّروا في الأمر. لقد دخلتم وقصفتم منشأة نووية تحت الأرض. ليس من الآمن إرسال أي شخص إلى تلك المنشأة. أعتقد أن الأمر سيستغرق وقتًا طويلاً قبل إجراء أي تقييم حقيقي وشخصي".

على الرغم من أن الخسائر الفادحة لحرب فيتنام، كما الحال الآن، إلا أن ذونغ تقول إنها لم تجد أي تناقض بين العنف الذي شهدته في السابق وعملها في تطوير متفجرات ذات قوة هائلة. وأضافت أن القنابل عالية التقنية يمكن أن تساعد في تقليل القتال البري وتقصير أمد الحروب.

وبصفتها عالمة عسكرية وأميركية، قالت: "كان واجبنا الأول هو ضمان عودة جنودنا أحياءً. أردت أن أفعل أي شيء بوسعي لمساعدتهم على الفوز".

وخلال مناسبة لتكريمها على إنجازاتها، قالت دونغ: "لم أنسَ أبدًا 58 ألف أميركي، بالإضافة إلى 260 ألف جندي فيتنامي جنوبي آخرين سقطوا في تلك الحرب (حرب فيتنام)".