توتر غير مسبوق.. كندا بين فكي الـF-35 ومشروع الولاية الـ51
في مؤشر جديد على تدهور العلاقات بين كندا والولايات المتحدة منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض مطلع العام، من المقرر أن تنهي أوتاوا من مراجعة صفقة شراء مقترحة لـ 88 طائرة إف-35 أميركية الصنع بحلول 22 سبتمبر، فيما حذرت واشنطن من عواقب سلبية في حال تخليها عن الصفقة.
وكان للرسوم الجمركية المشددة التي فرضها الرئيس ترامب على كندا وتهديداته بضمها، وقع الصدمة في بلد تشكل الدولة الوحيدة المجاورة له إلى الجنوب شريكه الاقتصادي الأول.
ويعتزم رئيس الوزراء الكندي مارك كارني الذي انتخب بناء على وعد بالتصدي لترامب، تنويع شركاء بلاده الاقتصاديين، ولا سيما بالتقرب من أوروبا.
قرار الإلغاء المرتقب الأسبوع المقبل، جاء وسط تحذيرات أميركية من "عواقب وخيمة" على العلاقات بين البلدين، بل وتهديدات لتعاونهما العسكري ضمن منظومة NORAD الدفاعية.
رئيس الوزراء كارني أمر بإعادة تقييم الصفقة بسبب سياسات ترامب الأخيرة، التي اعتُبرت تدخلًا في السيادة الكندية، بينما تدفع المؤسسة العسكرية الكندية باتجاه تنفيذ الصفقة لتعزيز التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة.
من المتوقع صدور مراجعة الجيش الكندي لطائرة إف-35 المقاتلة الأسبوع المقبل، إلا أن الولايات المتحدة أشارت بالفعل إلى أن كندا قد تواجه عواقب وخيمة إذا قررت الحكومة الليبرالية عدم المضي قدمًا في صفقة الأسلحة.
وكان وزير الدفاع الكندي ديفيد ماكغينتي، تعهد بالنشر العلني للمراجعة المرتقبة، على أن تُحال إلى رئيس الوزراء كارني لاتخاذ القرار النهائي.
وفي 7 أغسطس، أفادت وكالة رويترز أن الجيش الكندي يُوصي بالاستمرار في شراء 88 طائرة إف-35 أميركية الصنع. لم تكن هذه التوصية مفاجئة للمراقبين، إذ إن القوات الكندية هي التي ضغطت في البداية من أجل الطائرة المقاتلة الأميركية واختارتها. إضافةً إلى ذلك، تُعتبر القيادة العسكرية الكندية وثيقة الصلة بنظيرتها الأميركية، وقد سعت سابقًا إلى تعزيز التكامل بين القوتين.
غير أن كارني أمر بمراجعة عملية الشراء في أعقاب تهديدات ترامب للسيادة الكندية. وازدادت عدائية الولايات المتحدة تجاه كندا، حيث يواصل ترامب جهوده الاقتصادية لمعاقبة كندا ودفعها لتصبح الولاية رقم 51 في الاتحاد.
الحكومة الأميركية لم تتردد في تحذير كندا من عواقب التخلي عن طائرة إف-35، وفقًا لمصادر مطلعة في قطاع الدفاع.
بيت هوكسترا، السفير الأميركي لدى كندا، صرّح لقناة CTV في 21 مايو أن قرار عدم شراء طائرة F-35 قد يهدد التحالف المشترك بين الولايات المتحدة وكندا في مجال الدفاع الجوي لأميركا الشمالية (NORAD).
وادعى أن NORAD تتطلب من كل من الولايات المتحدة وكندا استخدام نفس النوع من الطائرات الأميركية الصنع.
وأوضح هوكسترا: "إذا كان الكنديون يستخدمون طائرة واحدة، فإننا نستخدم طائرة أخرى، ولم تعد قابلة للتبديل. وهذا قد يهدد NORAD أيضًا".
ويبدو أن الولايات المتحدة قلقة أيضًا من أن كندا قد تحاول شراء كل من طائرة F-35 وطائرة مقاتلة أخرى غير أميركية، على الأرجح طائرة Gripen السويدية، التي تصنعها شركة Saab.
وحذر هوكسترا من ذلك. وقال خلال المقابلة التي بثت في أغسطس: "لا يمكنك تحمل تكلفة طائرتين مقاتلتين، وبرنامجين مختلفين للطائرات المقاتلة". على كندا أن تقرر ما تريده. هل تريد طائرات إف-35؟ أم تريد منتجًا آخر؟ هذا قرارها، ولكن لا يمكنك تحمل تكلفة كليهما.
كما أقرّ بأن مراجعة إف-35 الجارية تُشكّل "مصدر إزعاج" يُصعّب التوصل إلى اتفاقية تجارية بين البلدين.
انقسام بين مؤيدي إف-35 و"غريبن"
يشير مؤيدو شراء نوعين مختلفين من الطائرات إلى أنه مع وعد كارني بزيادة ميزانية الدفاع بشكل كبير، سيتمكن الجيش الكندي من الحصول على التمويل اللازم لتشغيل أساطيل جوية إضافية.
بالإضافة إلى ذلك، يجادل مؤيدو طائرة غريبن السويدية بأن هذه الطائرات أكثر ملاءمة لظروف القطب الشمالي، وتعمل من مطارات محدودة في أقصى الشمال، مقارنةً بطائرة إف-35.
ومنذ أن أمر كارني بإجراء المراجعة، طرأت تطورات إضافية.
فقد كشف مكتب المحاسبة الحكومية الأميركي (GAO)، وهو منظمة رقابية تابعة للكونغرس، في 3 سبتمبر، أن برنامج مقاتلات إف-35 يواجه المزيد من التأخيرات وزيادة التكاليف.
وتتمحور المشاكل حول نسخة بلوك 4 من طائرة إف-35، وهي النوع الذي تخطط كندا لشرائه تحديدًا. وذكر تقرير مكتب المحاسبة الحكومية أن تكلفة بلوك 4 تتجاوز الميزانية المخصصة لها بما لا يقل عن 6 مليارات دولار، وتتأخر خمس سنوات عن الموعد المحدد.
"بعد ما يقرب من 20 عامًا من إنتاج الطائرات، لا يزال برنامج طائرة إف-35 يُبالغ في الوعود ويُقلل من الوفاء بها"، هذا ما ذكره مكتب المحاسبة العامة.
وعند سؤاله عن التقرير الأميركي، أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني، تيترو، في رسالة بريد إلكتروني إلى أن الوزارة "ستواصل مراقبة الوضع".
ويرى ضباط القوات الجوية الكندية أن طائرة إف-35 صفقة شراء مهمة، إذ تتيح لهم التكامل بسلاسة مع نظرائهم الأميركيين. كما تُعزز هذه الطائرة ارتباط كندا بالنظام العسكري الأميركي، حيث تُسيطر الولايات المتحدة على جميع ترقيات برامج الطائرة وتمتلك قطع الغيار اللازمة لها، حتى تلك التي ستُخزن في كندا.
لكن بعض القادة العسكريين الكنديين المتقاعدين شككوا في جدوى شراء طائرة إف-35. وقال الفريق المتقاعد إيفان بلوندين، جنرال القوات الجوية الذي أوصى كندا في البداية بشراء طائرة إف-35، إنه لا ينبغي المضي قدمًا في عملية الشراء كما هو مخطط لها، لأن الولايات المتحدة أصبحت غير جديرة بالثقة.