تفوق الطائرات المسيّرة يهدد عرش البحرية البريطانية
من على سطحها الممتد على طول 280 متراً، تقف
حاملة الطائرات البريطانية HMS Prince of Wales كرمز للتفوّق البحري، مزوّدة برادارات متطورة ومدافع فالانكس ومقاتلات F-35B الشبحية.
غير أنّ هذه التحفة العسكرية التي دخلت الخدمة قبل أقلّ من 6 سنوات تجد نفسها اليوم في سباق حقيقي لتجنّب أن تصبح قطعة حربية مهدّدة بالتقادم أمام صعود أنظمة الطائرات غير المأهولة التي أعادت تعريف الحروب البرية في أوكرانيا، وهي الآن تتجه لإحداث ثورة مماثلة في البحر.
قال القائد البحري، جيمس بلاكموور، قائد مجموعة الضربات البحرية البريطانية، في تصريح لصحيفة
ذا تايمز إنّ "الطريقة التي يتم بها تخيّل حاملات الطائرات في المستقبل تغيّرت كلياً"، مضيفاً: "نحن بحاجة إلى تطور سريع جداً".
الثورة التكنولوجية في البحر.. من الطيارين إلى الخوارزميات
تشهد القوات البحرية العالمية سباقاً لتطوير طائرات غير مأهولة قادرة على أداء مهام المراقبة والهجوم والدعم اللوجستي، ما يقلل التكاليف ويرفع الكفاءة التشغيلية. فبدلاً من الاعتماد على المروحيات لتزويد السفن بالإمدادات، تختبر البحرية البريطانية حالياً طائرة Malloy T-150 القادرة على حمل 63 كغ.
وقال الملازم، جو ماسون، أحد طياري سلاح الجو الملكي البريطاني، إنّ "الطائرات غير المأهولة لا تحتاج إلى نوم أو طعام أو معدات نجاة، ويمكن استبدال كلّ ذلك بأنظمة مهمات ووقود"، بحسب ما أوردته ذا تايمز.
ويُتوقّع أن تهيمن هذه الأنظمة على أسطول الحاملة خلال العقود المقبلة، ما يعني تقليص عدد الطواقم البشرية وتخفيف المخاطر المالية والبشرية المرتبطة بتشغيل هذه السفن العملاقة.
التحديات التقنية والعملياتية
بحسب موقع
Naval Technology، تدرس بريطانيا استخدام الطائرة من دون طيار من طراز MQ-9B SkyGuardian كبديل مستقبلي لنظام الإنذار المبكر الجوي Crowsnest المقرر تقاعده عام 2029.
وأكّدت وزيرة المشتريات الدفاعية، ماريا إيغل، أنّ المنصة "تُعدّ مرشحاً لتوفير قدرات الإنذار المبكر المحمولة جواً من على متن حاملات الطائرات البريطانية بعد سحب نظام كروزنست"، وفقاً لتصريحاتها في 19 مايو.
لكن هذه الخطوة تواجه تحديات تشغيلية كبيرة، إذ تمّ تصميم الحاملات البريطانية لهبوط عمودي لمقاتلات F-35B، بينما تحتاج MQ-9 إلى مدرج للإقلاع والهبوط.
ورغم أنّ طول سطح الحاملة، 280 مترا، قد يسمح باستخدام تقنيات الإقلاع القصير STOL، فإنّ مسألة الهبوط تظلّ تحدياً كبيراً يتطلب حلولاً هندسية متقدمة. كما تشير الدراسات الفنية إلى أنّ إضافة منظومات إطلاق واحتجاز (Catapult and Trap) قد تتطلب تعديلات هيكلية واسعة قد تُخرج الحاملة من الخدمة لسنوات.
سباق عالمي نحو الحاملة غير المأهولة
في وقت تدرس بريطانيا تكييف حاملاتها الحالية، شرعت دول أخرى في خطوات أكثر تقدماً. فقد دشّنت إيران حاملة طائرات مسيّرة، وتعمل تركيا على تطوير مشروع Mugem لحاملة غير مأهولة، بينما تنفّذ الصين وفرنسا وكوريا الجنوبية برامج مماثلة.
ووفقاً لتقرير نشرته
Portsmouth News، دعا خبراء بريطانيون إلى تطوير طائرات "ضاربة ومزوّدة بالوقود جواً" لتعزيز قدرات حاملتي HMS Queen Elizabeth و HMS Prince of Wales، مؤكدين أنّ "الاعتماد الحصري على الطائرات المأهولة بات غير مستدام في مواجهة الصواريخ الفرط صوتية".
وفي السياق نفسه، أشار تقرير لصحيفة
التلغراف إلى أنّ الاعتماد على مقاتلات F-35B وحدها غير كافٍ للردع المستقبلي، خاصة بسبب محدودية العدد وارتفاع التكلفة، في حين يمكن للطائرات غير المأهولة أن توسّع مدى التغطية الجوية وتعزز قدرة الحاملة على الصمود في بيئات قتال معقدة.
من "الرمز القتالي" إلى "المنصة الذكية"
رغم أنّ القائد بلاكموور يرى أن "عصر حاملات الطائرات لم ينتهِ بعد"، إلا أنّ شكلها ووظيفتها في العقود المقبلة لن يبقيا على حالهما. فالحاملة المستقبلية ستكون منصة طيران تعتمد على أطقم بشرية محدودة وتشغّل أسطولاً متكاملاً من الطائرات غير المأهولة للمهام القتالية واللوجستية.
وفي ظلّ تصاعد التهديدات المتمثلة في الصواريخ الفرط صوتية وأنظمة الحرب الشبكية، لم يعد يُنظر إلى الحاملة الضخمة كـ "هدف عائم"، بل كمنصة ذكية مرنة قادرة على التكيّف السريع مع بيئة عمليات متطورة.
وبذلك، لن يُقاس مستقبل حاملات الطائرات بحجمها أو عدد طياريها، بل بقدرتها على استيعاب وتكامل التكنولوجيا غير المأهولة التي تعيد رسم ملامح الحروب البحرية في القرن الـ٢١.