مجتمع
.
حتى نهار أمس الأحد، بدا صيفا مختلفا وهادئا في مقر الاتحاد المصري للاسكواش عن سابقه في 2022. كان الاتحاد بحاجة لذلك الهدوء، ليتخلص من إرهاق الصيف الماضي المشتعل بالجدل والصخب عقب إعلان نجمه الأول والمصنف 3 عالميا، وقتها، محمد الشوربجي تمثيل إنكلترا بدلا عن مصر وما صاحبه من ردود أفعال، لكن الجدل أطل برأسه مرة أخرى في الذكرى الأولى لاختيار "الشوربجي الكبير" تمثيل إنكتلرا، عندما قرر "الشوربجي الصغير" أمس، اقتفاء أثر شقيقه.
داخل مصر، لم يكن إعلان مروان الشوربجي لاعبا لمنتخب إنكلترا سببا للجدل في حد ذاته، وإنما بفعل تصريحاته لموقع الاتحاد الإنكليزي للاسكواش، والتي قال فيها "أشعر برغبة في بداية فصل جديد في مسيرتي، وذلك بتمثيل إنكلترا، وأيضا من أجل رد الجميل لهذا البلد الذي منحني كل شيء".
فيما تحدث أيضا في الفيديو التقديمي الذي نشره حساب الاتحاد الإنكليزي للاسكواش شقيقه محمد الشوربجي، الذي رحب بقدومه لتمثيل إنكلترا، مشيرا إلى أنه سيستفيد من الإمكانات العالية لديهم، فيما رحب به أيضا مدرب منتخب إنكلترا للاسكواش دافيد كامبين.
بعد ساعات من إعلان الخبر وتصريحات الشوربجي الصغير، عن البلد الذي منحه كل شيء، ثار الكثير من الجدل وردود الأفعال على وسائل الإعلام المصرية، وأيضا على وسائل التواصل الاجتماعي، التي انقسمت بين متفهم لقراره اللعب لصالح إنكلترا، ومنتقد لخطوته.
وبدوره، أكد رئيس اتحاد المصري للاسكواش عاصم خليفة عن صدمته من قرار مروان الشوربجي، وقال في تصريحات لبرنامج الحكاية على MBC مصر إنه رفض في البداية الاتصال به، قبل أن يبادر مروان بمهاتفته وشكره على المدة التي قضاها لاعبا لمصر، فيما برر وجهة نظره بأنه يبلغ الآن 30 عاما، وهو على وشك الاعتزال.
وامتدح خليفة اللاعب مروان الشوربجي بشكل عام، ورأى أنه يختلف عن شقيقه محمد، لجهة أنه لم يشتك من أي تقصير مصري تجاهه.
بدوره، طالب لاعب كرة القدم السابق أحمد حسام ميدو في برنامجه الريمونتادا وزير الرياضة المصري أشرف صبحي بضرورة التحرك والتنسيق مع الاتحاد الدولي للاسكواش من أجل فرض عقوبات على الشقيقين الشوربجي، وتغيير القانون الذي يسمح للاعبين بتغيير ولاءاتهم بين ليلة وضحاها.
وطالب ميدو أيضا الإعلام المصري بمقاطعة أخبار محمد ومروان الشوربجي، وتركيز كل الاهتمام على اللاعبين الذين يمثلون مصر حاليا في الاسكواش، مثل علي فرج ومصطفى حسن وغيرهم.
في الجانب الآخر، سادت حالة انقسام وسط المتفاعلين مع القضية في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ بدت الغالبية مؤيدة لقرار مروان الشوربجي، فيما انتقده آخرون.
وأبدى الإعلامي المصري عمرو أديب استغرابه من تزايد المؤيدين لموضوع مروان الشوربجي، وقال إن نحو 90% من المتفاعلين أيدوه بشدة في قراره بترك تمثيل مصر والانتقال إلى إنكلترا.
ربما لا يعتبر مروان وقبله شقيقه الكبير محمد الشوربجي هما الوحيدان اللذان اختار طوعا تمثيل منتخب آخر غير بلدهما مصر، إذ سبقهم إلى ذلك عدة رياضيين، أبرزهم ثلاثي المصارعة طارق عبد السلام الذي مثل منتخب بلغاريا، ومصطفي النمر والذي يلعب باسم منتخب أستراليا، ومحمود فوزي لاعب المصارعة الرومانية والذي حصل على الجنسية الأميركية.
وهنالك أيضا معاذ محمد لاعب رمي القرص والذي حصل على الجنسية القطرية وشارك تحت علمها، وفارس حسونة لاعب رفع الاثقال والذي يمثل منتخب قطر حاليا.
احتفل مروان الشوربجي المولود في الإسكندرية أمس الأحد بعيد ميلاده الـ30، ومارس رفقة شقيقه الأكبر محمد والذي سبقه إلى منتخب إنكلترا الاسكواش منذ الصغر.
وعندما كان مروان بعمر 14 انتقل رفقة أسرته إلى إنكلترا، والتحق مع شقيقه محمد الذي يكبره بعامين إلى مدرسة ميدفيلد في سومريست البريطانية، قبل أن يلتحقا فيما بعد بجامعة بريستول، وحصلا على الجنسية البريطانية.
وفي مدرسة ميدفيلد حظي الشقيقان بفرصة التدرب على يد أسطورة الاسكواش البريطاني جوان بارينغتون، المتوج بطلا للعالم في الاسكواش 6 مرات سابقا.
محمد الشوربجي متوجا بلقب جولة دبي المفتوحة للاسكواش في 2018. (أ ب)
ولفت كل من مروان ومحمد أنظار العالم لهما في 2017 عندما خاضا نهائي بطولة العالم للاسكواش في مانشستر باسم مصر، وتوج بها الشقيق الأكبر محمد.
في العام التالي لهذه البطولة، حقق مروان أفضل تصنيف عالمي له في الاسكواش، إذ وصل المركز الثالث، ونجح في الحفاظ على هذا المركز لـ46 شهرا متتاليا، وهو رقم قياسي له في هذا المركز بحسب موقع جولة العالم للاسكواش.
ورغم عدم تتويجه بلقب بطولة العالم للاسكواش، لكن جل إنجازاته كانت في جولة الاسكواش العالمية (PSA)، والتي توج بلقبها 13 مرة، من إجمالي مشاركات فيها استمرت لـ12 عاما، خاض فيها 461 مباراة خلال 177 جولة، وحقق خلالها 297 فوزا مقابل 164 خسارة، كما بلغ النهائي 28 مرة، بحسب الموقع الرسمي للجولة.
سيدشنّ مروان الشوربجي ظهوره الأول مع إنكلترا في بطولة باريس ألبين للاسكواش التي ستجري في الفترة من 27 أغسطس وحتى الـ2 سبتمبر، فيما سيشارك أيضا في بطولة العالم للاسكواش للمنتخبات في ديسمبر المقبل في نيوزلندا.
وتتربع مصر في الصدارة برصيد 42 ميدالية ملونة في بطولة العالم للعبة فئة الرجال، وذلك بنحو 14 ميدالية ذهبية و12 فضية و16 برونزية، وتأتي باكستان في المركز الثاني برصيد 37 ميدالية (14 ذهبية، و9 فضية و14 برونزية). أما إنكلترا فتحتل المركز الرابع في تصنيف البطولة، برصيد 25 ميدالية ملونة (3 ذهبيات، 4 فضية و18 برونزية).
وتهيمن مصر على لقب البطولة للرجال منذ 2016، إذ فاز نجومها بألقاب آخر ٧ نسخ، بما في ذلك نسخة 2017 التي كان طرفاها كل من الشقيقين محمد ومروان، فيما توج علي فرج بألقاب آخر 3 نسخ في البطولة.
من جهتها، تعود آخر ميدالية ذهبية لإنكلترا إلى عام 2013، عندما فاز نجمها نيك ماثيو بلقب النسخة التي جرت بمانشستر.
نيك ماثيو آخر إنكليزي يتوج بلقب بطولة العالم للاسكواش. (أ ب)
وينطبق الأمر ذاته على فئة السيدات، التي تحتل فيها مصر المركز الثاني برصيد 30 ميدالية ملونة (8 ذهبية و10 فضية و12 برونزية)، خلف أستراليا. وتهيمن المصرية نورة الشربيني عل لقب البطولة في جميع نسخها الخمس الأخيرة.
لا ينكر الاتحاد المصري للاسكواش فضل الضباط البريطانيين في إدخال اللعبة إلى المحروسة، إلى أن زاد بها الشغف، وأُسس الاتحاد المصري للعبة في عام 1931.
وبحسب الموقع الرسمي للاتحاد المصري للاسكواش، فإن الفضل الأكبر لنشر اللعبة ووضع اللبنات الأولى للهيمنة المصرية الحالية، يعود إلى الدبلوماسي المصري عبدالفتاح عمرو، الذي أخذ على عاتقه نهضة اللعبة، حيث أُعتبر في ثلاثينيات القرن الـ20 (1900-1999) أفضل لاعب اسكواش في العالم، بعدما توج ببطولة بريطانيا المفتوحة 6 سنوات متتالية بين 1933 و1938.
وبحلول الأربعينات ظهر نجم مصري آخر هو محمود عبدالكريم كريم الذي توج ببطولة بريطانيا المفتوحة 4 أعوام متتالية بين 1947 و1950.
وكذلك ظهر نجوم آخرون في أجيال لاحقة أبرزهم عبد الفتاح أبو طالب الذي فاز ببطولة بريطانيا المفتوحة 3 أعوام متتالية بين 1964 و1966، ثم جمال عوض في السبعينيات، الذي حقق اللقب ذاته عامي 1977 و1978. وبحلول الأربعينات ظهر نجم مصري آخر هو محمود عبدالكريم كريم الذي توج ببطولة بريطانيا المفتوحة 4 أعوام متتالية بين 1947 و1950.
وفى التسعينات بدأت المرحلة التي عاصرها أغلب مواليد ثمانينات القرن العشرين، حيث ظهر أحمد برادة، الذي وصل إلى المركز الثاني عالميا في 1998، قبل أن يسلم الراية لعمرو شبانة المصنف الأول عالمياً 28 شهراً متصلا ما بين ابريل 2006 وديسمبر 2008، وقد تسلم منه الصدارة كريم درويش.
وأخيرا جاء الدور على النجم المهيمن على بطولة العالم حاليا علي فرج، قبله محمد الشوربجي.
أما أبرز أسباب الهيمنة المصرية، فتعود أولا إلى الإرث التراكمي للأجيال في اللعبة، وهنالك أمر آخر مهم للغاية وهو تركيز الجودة، وهو الأمر الذي انطلقت منه صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في تحليل شهير لها في 2019 بعنوان "لغز الاسكواش في مصر.. هل هنالك شيء ما في النيل؟"، وسلطت الضوء فيه على النجاح والسطوة اللامتناهية للفراعنة في اللعبة.
وفي سياق الجودة المركّزة، قالت الصحيفة إن هناك تباينا كبيرا بين عدد ممارسي الاسكواش في مصر وبين نظرائهم في أميركا على سبيل المثال، إذ يلعب في مصر نحو 10 آلاف لاعبا الاسكواش يتبارون على 400 ملعب، مخصصا، فيما يبلغ عدد الممارسين للاسكواش في أميركا 1.7 مليون لاعبا يتواجهون على 3500 ملعبا.
ورأت أن هنالك تشتيتا للمجهودات والموهبة في أميركا، في وقت يحدث فيه تكثيفا وفلترة في مصر، لينعكس ذلك إيجابا على رفع التنافسية.
هنالك أمر آخر تطرقت له الصحيفة، وهو البراعة التكتيكية والموهبة الفطرية للمصريين، إذ قالت عن ذلك: " "اللاعبون المصريون يلعبون الاسكواش بشكل ديناميكي وغير متوقع، فهم يرسلون الكرات الخادعة، والمدربون يصفون طريقة اللعب المصرية للعبة بأنها غير مقننة، أي أنها مرتجلة ولا تسير على أسس محددة".
وواصلت "اللاعبون المصريون يفضلون تطوير أنفسهم بلعب الكثير من المباريات، بدلا من صقل المهارة بالتدريب المتكرر".
وربما يذكر ذلك بالنجمة التونسية أنس جابر، والتي رغم حداثة العرب في مكانها الحالي (الغراند سلام)، لكنها أيضا تمتلك موهبة فطرية وبراعبة كبيرة في أسلوب لعبها، تجعلها الأكثر عشقا للجماهير.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة