مجتمع
.
قد تبدو دراسة التاريخ عسيرة إذا تعين عليك قضاء ساعات في تذكر تفاصيل معارك وقعت قبل مئات الأعوام، لم تشهدها أنت أو أجدادك.
في العام الدراسي المقبل، لن يواجه الطلاب الروس في المرحلة الثانوية هذه المعضلة، فوزارة التعليم تطرح لهم نسخا محدثة من كتاب التاريخ، تتناول بعضا من وقائع الحاضر الذي شهدوه بأنفسهم، بما في ذلك العقوبات الغربية على بلدهم، وضمّ شبه جزيرة القرم، مع تقديم السردية الروسية للحرب.
منذ بدء عمليتها العسكرية الموسعة في أوكرانيا، تُبدى روسيا اهتماما بملف تدريس التاريخ، لاسيما ذلك المتقاطع مع أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، إذا أشارت بعض التقارير الصحافية إلى تعديلات سابقة أجرتها المؤسسات التعليمية الروسية على نصوص كتب التاريخ، بعضها يحاول حذف "أوكرانيا" كدولة مستقلة من خريطة المنطقة.
من المفترض أن يوجّه الكتاب الجديد لطلاب السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، وصدر في غلاف أزرق سميك يتضمن رسوما لجسر مضيق كيرتش، حسب وكالة فرانس برس، وهو الرابط الرئيسي بين الأراضي الروسية وشبه جزيرة القرم التي ضُمت في العام ٢٠١٤.
يظهر على الغلاف أيضا رجل وامرأة يعدلان من وضع صاروخ موجه لأعلى بينما تنظر امرأة أخرى في الخلفية للسماء عبر تليسكوب، ومن المفترض أن يغطي الكتاب الحقبة التاريخية من العام ١٩٤٥ أي نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى الوقت الحاضر.
يتناول الكتاب الجديد الفترة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الحاضر. (المصدر: وكالة فرانس برس)
في المؤتمر الصحافي الخاص بإطلاق الكتاب الجديد، أعلن وزير التعليم الروسي سيرغي كرافتسوف، أن الكتاب الذي سيتوفر في الأول من سبتمبر القادم يستهدف أن يفسر للطلاب أهداف "العملية العسكرية الشاملة" في أوكرانيا، وهي "نزع السلاح" و"اجتثاث النازية".
كما يتطرق الكتاب أيضا لضم شبه جزيرة القرم، واصفا الجنود بـ"منقذي السلام"، أما عن العقوبات المفروضة على روسيا من الدول الغربية، فيعتبرها الكتاب الجديد "أسوأ من نابليون الذي سار لغزو روسيا في القرن التاسع عشر" وفقا لصحيفة الغارديان.
اُنتج الكتاب المدرسي الجديد على مدار ٥ أشهر فقط، إلا أن وزير التعليم كرافتسوف أكد أن تلك النسخة من الكتاب سوف تكتمل مستقبلا، بالتحديد بعد نهاية العملية العسكرية، قائلا "بعد نصرنا، سنقوم بإكمال هذا الكتاب".
تعتقد وزارة التعليم الروسية أن أعداء البلاد يحاولون "زرع الفتنة" من خلال الأطفال، جاء ذلك على لسان وزير التعليم في إحدى الفعاليات أمام الرئيس بوتين، حين أضاف أيضا "روسيا تتعرض لحرب حقيقية مستمرة ضد التاريخ".
في السردية الروسية تتلخص أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا حول "نزع السلاح" و "اجتثاث النازية". (المصدر: وكالة فرانس برس)
الرئيس الروسي، عبّر عن مخاوف بشأن ملف التعليم سابقا، ففي لقاء مع مجموعة من طلاب المدارس بمدينة كالينينغراد في سبتمبر من العام الماضي عبر الرئيس الروسي عن دهشته من أن الأطفال في شرق أوكرانيا لا يعرفون أن أوكرانيا وروسيا كانا جزءا من الاتحاد السوفيتي.
من وجهة نظر الرئيس الروسي تصحيح تلك الرؤية يعتبر أمرا محوريا، كما أكد على أهمية تدريس نسخة من التاريخ مقبولة من قبل الكرملين، وفقا لوكالة رويترز.
منذ بدء الغزو أيضا أُضيفت إلى النظام التعليمي موادا جديدة كمادة بعنوان "أحاديث حول ما هو مهم" والتي تستهدف غرس الوطنية في نفوس الأطفال.
حُذف ذكر العاصمة كييف من بعض الكتب المدرسية الروسية سابقا، (المصدر٬: وكالة فرانس برس)
في الفترة ذاتها تدخلت السلطات الروسية أيضا لحذف بعض المقاطع المتعلقة بأوكرانيا من مقرراتها الدراسية، كما رصدت وسائل إعلام محلية روسية، فعلى سبيل المثال حُذف من كتاب الصف الرابع الذي يصدر باسم "العالم حولنا" لدى الحديث عن "دولة روس"، كل ذكر للعاصمة كييف، ولدى التطرق لأحد النصوص التي خطها راهب من العاصمة الأوكرانية، ذُكر أن كاتب النص "راهب" فقط حسب موقع Euronews.
في الجهة الأخرى من العالم، يخوض النظام التعليمي الأميركي بدوره أزمات بشأن رواية التاريخ على صفحات الكتب المدرسية.
إلا أن الخلاف لا يتضمن موقفا عاما من دولة أجنبية أو صراع عالمي، إنما يرتبط بتفاصيل التاريخ الأميركي ذاته، إذ أن نسخ الكتب الدراسية تختلف في بعض من عباراتها وشروحها ما بين ولاية وأخرى، كما كشف تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية في العام ٢٠٢٠ على عينات من الكتب المدرسية ذاتها من ولايتي كاليفورنيا وتكساس.
تصدر الكتب التي تخيرتها الصحيفة عن دور النشر ذاتها ويدون عليها اسم الكاتب ذاته، إلا أن بعض العبارات تختلف من نسخة لأخرى، فيذكر كتاب ولاية كاليفورنيا على سبيل المثال أن التعديل الثاني في دستور الولايات المتحدة سمح في أحكامه بتنظيم التعامل مع الأسلحة، إلا أن كتاب تكساس يتجنب التعليق على التعديل الثاني تماما.
أما فيما يخص الحديث عن فترة "نهضة هارلم" المتعلقة بازدهار الثقافة الأميركيين من أصول أفريقية، فيضم كتاب ولاية تكساس نصا غائبا عن نظيره، إذ يصف أن بعض النقاد "لم يلتفتوا" لجودة الأدب المنشور في تلك الفترة.
وحددت نيويورك تايمز أن بعض الاختلافات ترجع للقوانين الولايات أو معايير مادة التاريخ فيها، وكما يُعزى جزء من الأسباب أيضا للجان مراجعة الكتب المدرسية التي تشي ملاحظاتهم لدور النشر بإمكانية تأثير التوجهات السياسية على كتابة التاريخ، وفقا لتحقيق الصحيفة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة