النهاية بمنشور إلكتروني.. قصة أب مصري فقد نجليه في ليبيا

بالرغم من ألمه البالغ، يدرك عبد الفتاح أن الكارثة حلت بقريته كاملة إذ يقول لوكالة أسوشيتد برس: "إنها ليست صدمة كبيرة للعائلة فقط، بل للقرية بأكملها".

في قرية نزلة الشريف حيث يقطن الأب توفي ما لا يقل عن 74 رجلا، بعضهم لا يتجاوز عمره 17 عاما.

قبل ٣ أعوام بدأ أبناء عبد الفتاح في السفر إلى ليبيا، محمد أولا حيث التحق بالعمل كعامل يومية في مدينة درنة ليحاول تحسين مستوى معيشة أسرته، وكان يرسل كل ما يمكنه توفيره من مال إلى والده.

في وقت سابق من العام، انضم عبد الرحمن إلى شقيقه في درنة بعد عامين من البحث عن عمل في مصر دون جدوى، على حد قول والدهما.

ويقول الأب: "آخر مرة تحدثت إليهما كانت يوم 8 سبتمبر، عبر مكالمة مصورة لمدة نصف ساعة مع بقية أفراد الأسرة، وتحدث محمد مع والدته عن خططه للزواج واستمع سعيدا إلى أخبار مسكنه الجديد الذي كان يعده للزواج فيه، والذي كان والده يشيده له، بإضافة طابق ثالث إلى منزل العائلة".

لا يجد عبد الفتاح سوى القليل من العزاء في حقيقة أنه تمكن من دفن أبنائه، فقلبه مع القرويين الآخرين الذين دفن أبناؤهم على بعد مئات الكيلومترات في مقابر جماعية في ليبيا.

يواصل عبد الفتاح النظر إلى صور أبنائه على هاتفه، وتخنقه الدموع، فيقول: "أرادوا أن نعيش حياة أفضل... إنها كارثة.. كارثة للقرية بأكملها".

يبلغ رشاد عزت عبد الحميد، ٤٥ عاما، وهو مصري يعمل في ليبيا منذ ٦ أشهر فقط، لكن القدر شاء أن يشهد الفيضان بنفسه، فيما كُتبت له النجاة والعودة لبلاده ليصف الأمر بأنه "أشبه بالجحيم".

تمثل الجحيم في جدار من الماء اجتاح شارع عبد الحميد، الذي هرع إلى سطح مبنى مكون من ثلاث طوابق، برفقة ٧ مصريين، إلا أنه شهد عددا لا يحصى من الأشخاص جرفتهم المياه، وعندما نزل من سطح المبنى بعد أن هدأت العاصفة قليلا، كان المشهد مروعا على حد وصفه، حيث تناثرت الجثث والملابس والسيارات المحطمة والأثاث في الشوارع، وقد غطاها الطين والحطام، وانهارت المباني أو دمرت جزئيا.

وجد عبد الحميد الناس حوله ينتحبون وهم يبحثون عن أحبائهم ويحاولون انتشال العالقين تحت الأنقاض، ويقول الناجي: "غرقت عائلات بأكملها داخل منازلها.. لم يبق شيء سوى الأنقاض".

خلال تلك الساعات وبمجرد أن انخفض منسوب المياه عن حوالي متر ونصف المتر، انتقل عبد الحميد من السطح الذي كان يحتمي به إلى الطرقات لمحاولة تفقد الزملاء من العمال المصريين، فوجد بعضهم وقد انهارت منازلهم تماما، بينما غرق غيرهم وفارقوا الحياة، لتبدأ محاولات جمع الجثامين.

يقول إنه ساهم في جمع ٤٠ جثمان في منطقة محددة، ثم جثامين ٢٠ آخرين في مسجد بمنطقة جبيرة، ذلك بالإضافة إلى جثامين عشرات الليبيين من الأطفال والرجال والنساء فيقول أن الجنسيات تساوت في المأساة: "مافيهاش أنت ولا أنا.. مصاب على الكل".

تقول السلطات الليبية إنه عثر حتى الآن على جثث 145 مصريا في درنة، كما أعلنت الخارجية المصرية أن عشرات المصريين دفنوا في ليبيا، بينما جرى نقل 84 إلى مدينة طبرق القريبة، ومنها جوا إلى مصر.

وبشكل عام قال عمدة درنة، عبد المنعم الغيثي، في وقت سابق من الأسبوع في تصريحات إن عدد القتلى قد يرتفع إلى 20 ألفا، بالنظر إلى عدد الأحياء التي أغرقتها المياه.

تم الإبلاغ عن مقتل أكثر من 11300 شخص، وفقا للهلال الأحمر الليبي، منهم عشرات المصريين الذين عاشوا وعملوا في درنة لسنوات، ويجري الحفر وسط الطين وتحت المباني المنهارة في درنة بحثا عن 10 آلاف مفقود يخشى أن يكونوا قد لقوا حتفهم.

في نزلة الشريف، على بعد 167 كيلومترا من القاهرة، دُفن 74 من رجال القرية المصريين في جنازة جماعية يوم الأربعاء الماضي حضرها مسؤولون محليون ومئات القرويين، وقال مصطفى عويس مصطفى، وهو موظف حكومي متقاعد: "فقدت بعض العائلات ابنا واحدا، وبعضها اثنين، وفقد آخرون ثلاثة.. ذهب هؤلاء الشباب إلى هناك لمساعدة أسرهم".