"سمّ الشباب".. تقرير يفضح خوارزميات تيك توك
بعد ستة أشهر من جلسات الاستماع المكثفة، و95 ساعة من الشهادات شملت 178 خبيراً استمعت إليهم لجنة تضم 28 نائباً، خرجت لجنة التحقيق البرلمانية في فرنسا حول التأثير النفسي لتطبيق تيك توك على القُصَّر بتقرير غير مسبوق.
وصف التقرير الذي يمتد على 300 صفحة واطلعت عليه صحيفة
لوبارزيان، المنصة الصينية بــ"سمّ الشباب" و"آلة لصناعة التعاسة"، محمّلاً خوارزمياتها مسؤولية الترويج لمحتوى ضار يفاقم القلق والاكتئاب بين المراهقين.
وللمرة الأولى، يُجمع النواب من مختلف التيارات السياسية على 43 توصية تهدف إلى حماية الجيل الجديد من المخاطر الرقمية، وسط دعوات من النائبة لور ميلر إلى تحويل هذه المقترحات إلى قوانين في أسرع وقت، وتسليمها لرئيس الوزراء الجديد سيباستيان لوكورنو.
أبرز ما ورد في التقرير هو الدعوة إلى رفع السن القانونية لاستخدام منصات مثل تيك توك وإنستغرام وسناب شات من 13 إلى 15 عاماً، مع إنشاء آلية فعلية للتحقق من العمر.
كما أوصى التقرير بفرض قيود على استخدام الهواتف في المدارس، بدءاً من تطبيق ما يطلق عليه "الهاتف في استراحة" في المدارس الإعدادية، وصولاً إلى حظر الهواتف في الثانويات ابتداءً من يناير المقبل.
كما طالب بإضافة رسائل تحذيرية حول أخطار الشبكات الاجتماعية في الدفاتر الصحية للأطفال، على غرار التحذيرات الصحية على علب السجائر.
ومن بين المقترحات الجريئة، طرح النواب إنشاء "جريمة قانونية" لمعاقبة الآباء الذين يتركون أطفالهم أمام الشاشات بلا ضابط، باعتبار أن "الأجهزة لا تصلح لتكون جليسة إلكترونية".
في عام 2023، كان قد أصدر البرلمان قانون "الأغلبية الرقمية"، إلا أن عدم إصدار المراسيم التطبيقية عطّل تنفيذه بسبب اعتراضات أوروبية سابقة.
كيف ستطبق فرنسا وأوروبا الحظر على من هم دون 15 عاماً؟
بحسب النائبة لور ميلر، تستعد فرنسا لتكون ضمن الدول الأوروبية الأولى التي تختبر برنامجاً جديداً سيوفره الاتحاد الأوروبي، حيث يقوم موقع محايد بالتحقق من هوية المستخدم وإرسال المصادقة إلى المنصة الرقمية، ما يمنع القُصَّر من فتح حسابات قبل سن 15 عاماً.
وتوضح ميلر أن هذه الآلية ستعطي الأهل "ذريعة قانونية قاطعة" ليقولوا لأبنائهم: "لا شبكات اجتماعية قبل 15 عاماً، هذا قانون".
مع ذلك، يرى بعض الأهالي أن المقترحات غير كافية، مثل والدة تُدعى جيرالدين فقدت ابنتها بعد انتحار مأساوي نتيجة الانغماس في مقاطع سلبية على تيك توك، وتؤكد أن الحظر يجب أن يشمل من هم دون 18 عاماً "تماماً كما يحدث مع التدخين والكحول".
نحو "انقطاع رقمي" للمدارس والمنازل
إلى جانب الحظر العمري، يقترح التقرير مساراً نحو"ديتوكس رقمي"، بدءاً من إعادة الاعتبار لـ "الكراس الورقي" في المدارس بدلاً من الهواتف، مروراً بفرض فترات زمنية خالية من الشاشات.
وقد أكدت لور ميلر أن "المراهقين بحاجة إلى استراحة حقيقية من التحديق المستمر في الشاشات". هذا التوجه يتقاطع مع خطة حكومية سابقة لتقليل استخدام الهواتف الذكية داخل الصفوف، رغم صعوبة تطبيقها.
هل حان وقت "حظر التجوال الرقمي"؟
من بين أكثر المقترحات إثارة للجدل، فرض "حظر تجوال رقمي" على الفئة العمرية ما بين 15 و18 عاماً من الساعة العاشرة ليلاً حتى الثامنة صباحاً لمنع التصفح والسهر أمام المقاطع خلال الليل.
وترى اللجنة أنّ قلة النوم باتت أزمة حقيقية، إذ تشير بيانات وزارة الصحة إلى أن 70% من المراهقين لا ينامون ساعات كافية.
لا يكتفي التقرير البرلماني الفرنسي بتوصيف المخاطر، بل يسعى إلى ترجمتها إلى سياسة عملية تقيد الوصول إلى الشبكات الاجتماعية وتضع المسؤولية على عاتق الأهل والدولة والمنصات في آن واحد. وبينما يتجادل الفرنسيون حول جدوى هذه الإجراءات وحدودها، يبقى المؤكد أنّ فرنسا تسير نحو نموذج صارم في التعامل مع المنصات الرقمية، قد يشكّل سابقة تحتذي بها أوروبا بأكملها في معركتها ضد "إدمان الشاشة" الذي يهدد جيل الشباب.