لعلك شاهدت مقاطع الفيديو الشهيرة على اليوتيوب لهاكر محترف يقوم باختراق كاميرات المراقبة وأجهزة الكمبيوتر في شركات احتيال إلكتروني ومن ثم يبدأ في الانتقام منهم والعبث في أجهزتهم وتصويرهم خلسة وتقديم معلوماتهم للجهات الأمنية.

يوجد في الواقع مئات آلاف المجموعات الاحتيالية في دول جنوب غرب آسيا كالتي تظهر في مقاطع الفيديو تلك.

أحدث التقديرات تشير إلى أن هناك قرابة 120 ألف شخص في ميانمار وحدها وأكثر من 100 ألف في كامبوديا يعملون في الاحتيال الإلكتروني، وأعداد مشابهة في دول أخرى مثل الفلبين وتايلاند ولاوس.

هذه التقديرات هي وفقاً لتقرير جديد مطول لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة كشف فيها عن معلومات جديدة وصادمة عن أنشطة الاحتيال الإلكتروني الصادرة عن دول جنوب غرب آسيا.

الأمم المتحدة قدرت حجم تجارة الاحتيال الإلكتروني في هذه البلدان بمليارات الدولارات سنوياً.

أما مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فيقدر بأن الأميركيين وحدهم خسروا نحو 2,7 مليار دولار من أموالهم في العام 2022 بسبب نوع من الاحتيال يسمى "ذبح الخنازير" الذي يعتمد على تكوين علاقة مع الضحية وإقناعها بالاستثمار في عملات مشفرة وهمية والاستيلاء على أموالهم.

احتيال عبر السوشال ميديا

السوشال ميديا بدورها كانت أحد أبرز وسائل استدراج الضحايا بشكل متزايد في السنين الأخيرة. ففي العام 2017، سجل الأميركيون خسائر مالية من عمليات احتيال على مواقع التواصل الاجتماعي بنحو 42 مليون دولار فقط.

لكن هذا الرقم ارتفع في العام 2022 ليصل لنحو 1.2 مليار دولار، وفقاً للوكالة الفدرالية للتجارة.

يضيف التقرير بأن غالبية من يعملون في هذا المجال هم من الرجال، ولكن يوجد أيضاً نساء وأطفال مراهقين في صفوف تلك المجموعات، غالبيتهم ليسوا من مواطني الدول التي ينشطون منها، ويأتون من إندونيسيا وماليزيا والصين وسنغافورة وفيتنام وهونغ كونغ وتايوان وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

علاوة على ذلك، العديد منهم متعلمون بشكل جيد وحاصلون على شهادات جامعية أو درجات دراسية عليا، ولديهم خبرة في التعامل مع أجهزة الكومبيوتر والهواتف، وبعضهم يجيد عدة لغات كما أن بعضهم لديه خبرة عملية من مجالات مختلفة.

كما أن أغلبهم من ضحايا التهريب والاتجار بالبشر وفقاً للمنظمة الأممية التي تقول بأن العصابات الإجرامية تستهدف المهاجرين الضعفاء الذين وجدوا أنفسهم عالقين في تلك البلاد بلا عمل أثناء جائحة كورونا بسبب إغلاق الأعمال التجارية والحدود بين الدول.

ويشير التقرير إلى أن الإغلاق المرتبط بالجائحة رفع من منسوب تواجد الناس على الإنترنت وهو ما أدى إلى ازدهار الاحتيال الإلكتروني.

العاملون في مجموعات وعصابات الاحتيال تلك يواجهون العديد من الانتهاكات الحقوقية الجسيمة بحسب المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان.

فهم يتعرضون للتعذيب والمعاملة القاسية غير الآدمية والمهينة أو العقاب والاحتجاز التعسفي والعنف الجنسي والعمالة القسرية وتهديد أمنهم الشخصي وانتهاكات جسيمة أخرى لإجبارهم على تلك المهن غير القانونية.

لذلك يقول ڤولكر ترك المفوض السامي لحقوق الإنسان إن هؤلاء الأشخاص "هم ضحايا، وليسوا مجرمين".

ويضيف ترك "في استمرارنا للمناداة بالعدالة لأولئك الذين وقعوا ضحية للاحتيال عبر الجرائم الإلكترونية، يجب ألا ننسى أن تلك الظاهرة المعقدة لها مجموعتان من الضحايا".

التقرير يشير إلى أنه على الرغم من وجود الأطر القانونية والسياسية في بعض دول جنوب شرق آسيا لمحاربة الاتجار بالبشر واستغلالهم والعمالة القسرية، إلا أن تلك القوانين في بعض الحالات لا ترقى للمعايير الدولية اللازمة لمحاربة تلك الظواهر، أو يكون هناك ضعف وعجز في تطبيق تلك القوانين على أرض الواقع.

بينما يقول مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي إن المسؤولين عن مجموعات الاحتيال في الدول الآسيوية تربطهم علاقات بمسؤولين حكوميين فاسدين يوفرون لهم الغطاء والحماية لتلك العمليات غير المشروعة.

وعند عثور السلطات في الدول الآسيوية تلك على العاملين بالإجبار في الاحتيال الإلكتروني، تقوم عادة بوصفهم بشكل خاطئ بمجرمين أو مهاجرين غير شرعيين، وتعرضهم للملاحقة الجنائية وعقوبات مخالفة لتصاريح الإقامة بدلاً من "حمايتهم أو تمكينهم من الوصول لإعادة التأهيل والعلاج الذي يحتاجونه" بحسب التقرير.