سفر

"جلال" يبدأ من الصفر.. عودة مريرة لعراقيين رحلوا من أوروبا

نشر
AFP
بعدما حاول على مدى 10 أعوام تقريبا الحصول على إقامة قانونية في ألمانيا، رحلت السلطات محمد جلال إلى إقليم كردستان في شمال العراق، إذ يحاول إعادة بناء حياته من الصفر وسط فقر مدقع.
ومع تشديد سياسات الهجرة في أوروبا في ظل صعود أقصى اليمين، تُرحّل دول كثيرة في القارّة العجوز آلاف المهاجرين الذين أتوا من العراق ومن جنوب البحر الأبيض المتوسط.
وتقيم عدة دول أوروبية شراكات مع العراق الذي يشهد استقرارا نسبيا بعد نزاعات استمرت 4 عقود، تهدف إلى تشجيع العودة وتشمل برامج لتسهيل عملية الاندماج في المجتمع لا سيّما من خلال تدريب مهني.
ومع عودته إلى مسقط رأسه رانية في محافظة السليمانية، عاد محمد جلال، 39 عاما، ليقيم مع والده المسنّ في شقّة ضيقة ينامان فيها على فرش إسفنجية رقيقة على أرضية خرسانية.
في الربع الأخير من 2024، طُلب من نحو 125 ألف شخص غير أوروبي مغادرة إحدى دول الاتحاد الأوروبي، في زيادة نسبتها 16.3% عن الفترة نفسها في العام 2023.
فكيف كان مشوار جلال مع الهجرة، وهل تدفعه الظروف الصعبة بالعراق للهجرة مجددا؟

"مستعد للهجرة من جديد"

يقول جلال بالكردية لوكالة فرانس برس "إذا كانت هناك طريقة للعودة إلى أوروبا، فأنا مستعدّ للهجرة من جديد".
ويضيف "في هذه الحالة إذا تم قبول طلب لجوئي في ألمانيا، سأتمكّن من العمل في المطاعم الكردية بشكل رسمي من دون أن أحتاج إلى استلام راتب حكومي".
أمّا في كردستان العراق فهو اليوم عاطل عن العمل.

جلال وسقف متواضع يأويه. AFP

وبدأت رحلته على طرق الهجرة في 2015، إذ سافر إلى إسطنبول ثمّ إلى إزمير حيث استقلّ زورقا نقله خلسة إلى جزيرة يونانية، ومن هناك إلى أثينا ثم مقدونيا الشمالية وصربيا وكرواتيا وأخيرا ألمانيا.
وأقام في مركز لطالبي اللجوء في جنوب البلاد، وبدأ يتلقى من الدولة الألمانية 300 يورو شهريا.
وكان يضطر أحيانا إلى الذهاب إلى نورمبرغ التي تبعد أكثر من 150 كيلومترا إلى الشمال، وميونيخ البعيدة نحو 140 كيلومترا جنوبا، ليزاول "عملا غير قانوني مدة شهرين أو ثلاثة" خلال الشتاء حين كانت تتراجع عمليات التفتيش عن أشخاص يعملون بطريقة غير قانونية.

"لا يحتاجون إلى الحماية"

بعد رفض طلب لجوئه مرّتين، رحّلته السلطات الألمانية إلى العراق في يناير 2024.
حاول عندها فتح مخبز، لكنه فشل. وعمل مدة شهرين في بيع الفلافل لقاء أجر يومي يعادل 7 دولارات تقريبا.
أمّا اليوم، فيعتاش على مبلغ 150 دولارا يُرسله شهريا أقارب له يقيمون في بريطانيا.
وقالت السفارة الألمانية في بغداد لوكالة فرانس برس إن برلين "من حيث المبدأ ترحل الأشخاص الذين يتوجب عليهم مغادرة البلد".

أبو بكر علي مدير جمعية المهاجرين العائدين من أوروبا إلى كردستان العراق. AFP

وأوضحت أن "لا مجال للحصول على إقامة للأشخاص الذين يدخلون ألمانيا بطريقة غير قانونية أملا في حياة أفضل لكنهم لا يحتاجون إلى الحماية".
وأشارت إلى أنه خلال العقد المنصرم، "وفّرت ألمانيا الحماية والملجأ لملايين الأشخاص الذين فرّوا من الحرب والعنف في بلدانهم".
ويقول أبو بكر علي مدير جمعية المهاجرين العائدين من أوروبا إلى كردستان العراق، إن ما يصل إلى 300 شخص أُعيدوا إلى العراق في الربع الأول من يناير 2025، معظمهم من ألمانيا فيما الآخرون من فرنسا ودول إسكندنافية.
ويضيف الناشط الحقوقي "دائما كنّا نحذّر خصوصا الشباب، من أن أوروبا ليست الجنّة التي يتخيّلونها في أذهانهم"، لافتا إلى أن "العائدين لا يجدون أحيانا مكانا ينامون فيه ولا عمل ولا مساعدات حكومية".

"عودة وإعادة قبول"

في السنوات الأخيرة، خسر كردستان العراق الكثير من أبنائه ممن قضوا في غرق قوارب مهاجرين في البحر المتوسط والمانش.
ويقدّم الإقليم المتمتع بحكم ذاتي، نفسه على أنه واحة استقرار، لكنه يشهد مشاكل اقتصادية تسبّب انسداد أفق عند الشباب. وفي 2021، بلغت نسبة البطالة في صفوف الفئة العمرية 15-24 عاما، 37.2% بحسب أرقام رسمية.
لكن العراق الغني بالنفط استعاد استقرارا نسبيا، على الرغم من انتشار الفساد في مؤسسات الدولة، بعد نزاعات استمرت 4 عقود تخللها بروز تنظيم داعش الذي دفع بالملايين إلى الهجرة.

دعم نفسي للعائدين

في بغداد وأربيل، تدير المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي GIZ مركزَين متخصصَين يقدّمان للعائدين من الهجرة تدريبا مهنيا ودعما نفسيا اجتماعيا ومساعدة لتأسيس أعمال تجارية، وتموّلهما كلّ من ألمانيا وسويسرا والاتحاد الأوروبي.
وبين يونيو 2023 ومايو 2024، قدّم المركزان "الإرشاد والدعم" لنحو 350 عائدا من ألمانيا والاتحاد الأوروبي والمنطقة، حسبما تقول المؤسسة لفرانس برس.
ووقعت بعض دول الاتحاد الأوروبي اتفاقيات "عودة وإعادة قبول" ثنائية مع العراق، فيما يعد التكتّل القاري اتفاقية مماثلة مع بغداد، بحسب سفير الاتحاد الأوروبي لدى بغداد توماس سيلر.
وقال سيلر لفرانس برس "منذ فترة طويلة بلغت قدرة مدن وبلدات على استقبال المهاجرين واستيعابهم حدها الأقصى في بعض أنحاء الاتحاد الأوروبي" مشددا على ضرورة "منع الهجرة غير النظامية".
ولفت إلى أن التكتّل يدعم "بعشرات ملايين اليورو" مبادرات ومشاريع في التعليم والتدريب المهني واستحداث فرص العمل، لكي "يلزم العراقيون العراق".

أوروبا "للسياحة"

في 2023، رَعَت المنظمة الدولية للهجرة "العودة الطوعية" لـ1577 عراقيا أرادوا العودة إلى بلدهم من أكثر من 20 دولة بينها ألمانيا وتركيا.
وأطلقت مؤسسة روانكه الكردية في العام نفسه برنامجا لإعادة الدمج، بتمويل من الدنمارك وفنلندا. وتعمل كذلك على التوعية بهدف الحدّ من الهجرة غير النظامية.
وفي إطار هذا البرنامج اكتسب 120 شخصا مهارات مهنية تُمكّنهم من وضع "خطة عمل" وإنشاء مشروع صغير خاص بهم. وحصل 15 منهم على منحة راوحت قيمتها ما بين 4 آلاف و5 آلاف يورو.
وغالبا ما تكون هذه المشاريع في "البناء والنجارة وإصلاح الهواتف المحمولة والإلكترونيات والبيع بالتجزئة والخدمات الغذائية، أو حتى خدمات التجميل بالنسبة للنساء"، بحسب كاميران شيفان مدير البرامج في مؤسسة روانكه.
وأوضح أنه في سبيل الهجرة، استدان عديدون، ما أدّى إلى ترتّب ديون عليهم "لا يمتلكون أي مصدر دخل أو أصول يمكنهم استخدامها للتسديد".

محمد إسماعيل في ورشته. AFP

ومن بين المستفيدين من مساعدة مالية، محمد اسماعيل، 29 عاما، الذي اشترى حصة في ورشة لإصلاح السيارات.
وفي 2016، وصل إلى ألمانيا آملا بـ"تحسين وضعه المعيشي والحصول على جنسية أوروبية".
لكن بعد 5 أعوام و8 أشهر، "لم يحقق" هدفه ولم يُمنح إذنا للعمل، فيما كان يتلقى مساعدة تبلغ حوالى 320 يورو في الشهر.
وقال في ورشته "من أصعب التجارب التي مررت بها كانت الانتظار، خصوصا بعدما رُفض طلبي 3 مرات ووصلت إلى حالة من اليأس".
دفعته هذه العوامل إلى قبول العودة إلى العراق في أبريل 2021، وحصل لقاء ذلك على إجمالي 500 يورو من برلين ومن وكالة أممية.
أمّا اليوم فيكسب حوالى 550 دولارا بالشهر ويعيل زوجته وطفلهما البالغ 3 أعوام.
ويقول "في الوقت الحالي لا أفكر بالهجرة مرة أخرى بل قد أسافر إلى أوروبا في المستقبل لغرض السياحة فقط".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة