شباب
.
"تجميد البويضات".. نصيحة قدمها أستاذ جامعي لطالباته بكلية الطب بإحدى الجامعات اليمنية حتى لا يفوتهن قطار الأمومة بعد تأخر فرص الزواج، بسبب سنوات الدراسة الطويلة التي يتطلبها الاختصاص.
هذا الواقع يفرض على طالبة الطب مرام في عام الامتياز الأخير، حالة من القلق الدائم. تقول الطالبة لبلينكس: "بدأت أشعر بعد سبع سنوات من الدراسة في كلية الطب بأني مشروع عانس"، خاصة بعد أن عرضت إحدى الأمهات أن أكون عروس ابنها المهندس، وبعد معرفتها أني أدرس الطب تراجعت وقالت "أريد فتاة صغيرة".
لكن كيف تواجه طبيبات المستقبل اليمنيات هذه المخاوف، وهل يطبقن نصيحة الأستاذ الجامعي في مجتمع يقدّر الزواج المبكر، وماذا عن عزوف الشباب اليمني الارتباط بطبيبات، خاصة أنه ينظر لهن بتقدير في مكان عملهن، ولكن يتحفّظ على ظروف دراستهن؟
طالبة الطب مرام، 26 عاماً، تواصل شرح تجربتها بعد أن تم رفضها كعروس محتملة قائلة "حينها دق ناقوس الخوف وبدأت أفكر فعليا أن أجمّد البويضات خاصة وأنا أحب الأطفال، لكن والدي عارض قراري".
وتضيف الطبيبة "الطبيبات يواجهن مجتمعا متحفظا يشترط وجود طبيبة في كل المرافق الصحية، وينظر لها بتقدير لكن يتحفّظ على ظروف عملها ودراستها".
الشابة القادمة من محافظة تعز وسط اليمن، بدأت تقنع أخواتها الثلاث الأصغر منها بالعزوف عن دخول كلية الطب وتستند في حديثها لسنوات الدراسة الطويلة التي تزيد عن 10 أعوام دراسة وتخصص وخدمة مجتمعية.
تخالف الطبيبة أحلام بُغده، 34 عاما، والطبيبة شيماء حمود، 26 عاما، رأي مرام حيث توضح أحلام لبلينكس أنها يتيمة الأب والأم وتعيش مع إخوانها ولم تدفعها ظروف الدراسة وشعور الفَقد لوالديها إلى الهروب للزواج والتخلص من شبح العنوسة.
وتوضح الشابة من صنعاء، أنها أنهت دراستها الجامعية بكلية الطب وتحضر البورد في طب الأطفال، ومازالت تؤمن أن الزواج نصيب يأتي في الوقت المناسب ولا يرتبط بتعقيدات العمر والمستوى الاجتماعي واختبار الكفاءة.
فيما تشير الطبيبة شيماء إلى أنها أنهت دراستها في كلية الطب قبل عام ولم يطرق القلق من تأخر قطار الزواج باب أفكارها.
وتبين الشابة أن الإنسان ابن بيئته فإذا كانت الأسرة تؤمن بالزواج المبكر وتردد أمثال "الزواج جنة المرأة" وتستجيب لضغوط المحيط الاجتماعي حول أقاويل وشائعات العنوسة للابنة الطبيبة وتخاف من مقولة "في" بيتنا عانس"، فمن الطبيعي أن يتسلل الخوف لقلب الشابات مهما كان تخصص الدراسة أو طموحهن العلمي.
وتضيف لبلينكس أن هذه الهواجس بعيدة عن أسرتها التي تشجعها على مواصلة دراستها التخصصية والدراسات العليا وترك أمر الزواج لتدبير القدر.
في بلد فقير تلتهمه مخلفات الحرب منذ تسع سنوات وتمزقه الصراعات، لا توجد قواعد احصائية موحدة لجميع محافظات اليمن، حيث تحتفظ كل مساحة جغرافية في خارطة الشتات السياسي اليمني بأرقامها التقديرية التي تفتقد للبحث والدراسة المعمقة.
وبحسب احصائيات حديثة، تتقدم للدراسة في كلية الطب بجامعة صنعاء الحكومية سنويا أكثر من 1000 طالبة يتم قبول 70 طالبة فقط في الكلية بعد اجتياز امتحانات القبول، فيما تتوزع بقية الطالبات على 14 كلية في العاصمة صنعاء فقط.
فيما تشير احصائيات أخرى غير رسمية، إلى أن عدد الجامعات اليمنية حتى نهاية العام 2022 بلغ 95 جامعة وكلّية، منها 21 جامعة حكومية، و74 جامعة وكلية أهلية، يتخرج فيها حوالى 40 ألف طالب وطالبة سنوياً.
وتوضح آخر الاحصائيات الرسمية الموثقة عبر المركز الوطني للمعلومات حول واقع التعليم العالي في اليمن، أن مؤشرات التعليم الجامعي لعام 2009/2010، بلغ فيه عدد الجامعات الحكومية 9 جامعات تضم 107 كلية، تتوزع بين كلية تطبيقية وكلية إنسانية، وتضم أكثر من 266 ألف طالب وطالبة.
ونصيب الإناث 30 %، فيما بلغ إجمالي عدد الخريجين من الجامعات الحكومية لنفس الفترة 22,454 ألف طالباً وطالبة منهم ما نسبته 38.7 % إناث.
وعلى مستوى مجال التخصص بلغت نسبة الخريجين والخريجات في التخصصات الإنسانية 58.4 % من إجمالي الخريجين منهم 43.6 % إناث، في حين كان نصيب التخصصات الطبية والتطبيقية 41.6 % خريج، منهم ما نسبته 31.8% إناث.
يعتبر أستاذ علم النفس بجامعة إب أحمد المجيدي، أن العمر والاختلاط قبل فصل الطلاب عن الطالبات العام السابق، شكلا أسبابا رئيسية لتأخر زواج الطالبات الجامعيات عموما.
وأرجع أسباب عزوف الشباب عن الزواج من الفتاة الجامعية إلى العادات والتقاليد التي تشجع الزواج من صغيرات السن.
وبالتالي فإن الشابة الجامعية أصبح عمرها كبيراً وغير مناسبة للزواج، وسبق لها الاختلاط مع الرجال ما يكسبها قوة في التعامل مع الشريك، وجرأة في اتخاذ قرارات مصيرية وهو ما يرفضه الشاب اليمني، وفق شرحه.
ويفنّد أسباب خوف الطالبات من العنوسة بسبب سنوات الدراسة التي تتجاوز 4 أو 5 أو 7 سنوات، إضافة إلى الطموح العلمي والعملي إلى نظرة الشباب المحدودة للطالبة الجامعية بأنها فتاة تضطر للاختلاط مع الشباب بالمحيط الجامعي، وبالتالي فإن الاقتراب منها أصبح مصدر قلق وإزعاج للشباب الذين يفضلون الفتيات الصغيرات.
على النقيض تجاوزت الدكتورة ليلى العريقي عقدة العمر حيث توضح طالبة الماجستير أن فكرة العنوسة لم تمثل هاجس مقلق لها، حيث تزوجت بعد انهاء دراستها الجامعية وبعد تحضير البورد، ورزقت بطفلين وتعيش حياة مستقرة وهي تحاول الايفاء بالتزاماتها الأسرية ومتطلبات العمل.
وتقول العريقي، من محافظة تعز وسط اليمن، لبلينكس إن تفهّم زوجها لوضع عملها يسهم في توفير هدوء أسري مع قليل من الضغط عليها في حرصها على النجاح في البيت والعمل وتربية الأبناء، وهو ما يعني أن تكون زوجة وطبيبة وأم مكافحة بامتياز منذ عشر سنوات.
وتنصح الدكتورة ليلى، 38عاما، الطبيبات وطالبات الطب الذي تأخر قطار زواجهن بطرد أفكار العنوسة وربطها بالتخصص العلمي.
وتشير إلى أن التخصص الجامعي ليس المشكلة، بل المجتمع الذي يفرض قيودا وأفكارا مسبقة عن الطبيبة وعملها، ويعلّق كثيرا على سنوات الدراسة.
يبيّن الشاب هشام الربوعي من محافظة البيضاء جنوب صنعاء، أن الارتباط يعتمد على ثقافة الشاب وتفهمه لوظيفة الشريك ومجال التخصص والدراسة بعيدا عن العمر.
ويضيف هشام، 24 عاما، أن اختياره يرتكز على معايير تختلف كليا عن العمر والالتزامات المهنية للدكتورة، ومنها التواضع إذا لم تتوافق مهنتها مع شريكها والتنازلات التي تدعم استمرار الزواج بعيدا عن الترصد للأخطاء من الطرفين.
ويوافقه أحمد العميسي من محافظة ذمار، 54 عاما، أن عمر طالبات الطب والطبيبات لا يمثل المشكلة، وإنما التعالي والتعامل بفوقية مع الشريك، خاصة إذا كان أقل تعليما منها، فمن خلال خبرته الطويلة سمع عن قصص كثيرة عن طبيبات يتعاملن بنوع من التكّبر على الزوج، ما يفشل العلاقة ويجسد انطلاق للشائعات حول الارتباط بالطبيبات المتكبرات وغالباً اللاتي يرتبطن لمجرد الإنجاب وبعدها يختلقن الأعذار للطلاق بحجة عدم التكافؤ بين الطرفين، وفق قوله.
وأضاف أن التخلي عند الطبيبة دائما حاضر في الخلافات الزوجية فهي سريعة المبادرة لإنهاء الزواج بسبب اعتزازها بعملها والنظر للشريك بأنها نعمة لا يستحقها، بحسب قوله.
في نفس السياق تستعد وزارة الصحة اليمنية بصنعاء لإطلاق اللائحة المنظمة للتقنيات المساعدة على الانجاب والتي تنظم عملية الحمل المجهري وأطفال الأنابيب وتجميد البويضات والنطف، استعدادا لإصدار قانون بهذا الخصوص.
فهل ستسمح اللائحة للطبيبات العازبات بتجميد البويضات الذي يحرمه المشهدين الديني والطبي في اليمن؟
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة