هل يُنقذ "اليورو الرقمي" سيادة أوروبا بوجه الدولار؟
تسارعت الخطط الأوروبية لإطلاق "اليورو الرقمي" بعد أن أقرّ الكونغرس الأميركي قانونًا تاريخيًا لتنظيم سوق العملات المستقرة البالغة قيمتها 288 مليار دولار، والتي يهيمن عليها الدولار.
ومع تراجع دور النقد في الحياة اليومية وتنامي نفوذ مزوّدي المدفوعات الأجانب، يجد البنك المركزي الأوروبي نفسه أمام سباق مع الزمن للحفاظ على سيادة القارة النقدية وضمان بقاء المال العام جزءًا من المعاملات في العصر الرقمي.
قلق أوروبي من قانون العملات المستقرة الأميركي
ذكرت وول ستريت جورنال أن قانون "جينيوس" الأميركي دفع مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى "إعادة التفكير في خطط اليورو الرقمي"، وسط مخاوف من أن يؤدي توسع العملات المستقرة المرتبطة بالدولار، التي تديرها شركات مثل "سيركل" و"Tether" إلى تعزيز هيمنة الدولار عالميًا.
وحذر بييرو تشيبولوني، عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، في تصريحات نقلتها الصحيفة، من أن "الترويج الأميركي للعملات المستقرة المرتبطة بالدولار يثير القلق بشأن الاستقرار المالي لأوروبا واستقلاليتها الاستراتيجية"، مشيرًا إلى خطر تحويل الودائع باليورو إلى الولايات المتحدة.
من النقد إلى المدفوعات الرقمية.. أين يقف الأوروبيون؟
بحسب يورونيوز، رغم أن النقد لم يختفِ بعد، إلا أنّ استخدامه تراجع بشكل ملحوظ في منطقة اليورو.
فقد انخفضت حصة النقد من 68٪ إلى 40٪ من حيث الحجم، ومن 40٪ إلى 24٪ فقط من حيث القيمة بين عامي 2019 و2024.
ونقلت القناة عن تشيبولوني قوله: "السبب الرئيسي لإصدار اليورو الرقمي هو الحفاظ على مزايا النقد في العصر الرقمي"، مشددًا على أن غياب خيار عام للدفع الرقمي يضعف المنافسة والسيادة ويقلل من حرية المستهلك في اختيار وسيلة الدفع.
نقاشات تقنية.. شبكة عامة أم نظام مغلق؟
أشارت وول ستريت جورنال إلى أن المسؤولين الأوروبيين باتوا يدرسون خيار تشغيل "اليورو الرقمي" على شبكة عامة مثل "إيثريوم" أو "سولانا"، بدلًا من شبكة خاصة كما كان متوقعًا سابقًا، وذلك بسبب المخاوف المرتبطة بالخصوصية.
وأضافت أن هذا الخيار بات "أمرًا يؤخذ بجدية أكبر الآن"، رغم الحذر من أن علنية المعاملات على هذه الشبكات قد تثير قلقًا واسعًا.
النقد ما زال ملكًا.. لكن إلى متى؟
ذكرت يورونيوز أن الأوروبيين لطالما تمتعوا بحق استخدام أموال البنك المركزي، لكن هذا الركن بات مهددًا مع تراجع النقد المادي.
وأشارت القناة إلى تقرير اقتصادي لـ"غولدمان ساكس" أظهر أن نحو 30٪ من الشركات الصغيرة والمتوسطة في منطقة اليورو ما زالت تفضل الدفع نقدًا، فيما ترتفع النسبة إلى أكثر من 50٪ في النمسا ونحو 40٪ في إيطاليا.
ويرى اقتصاديون أن غياب عملة رقمية عامة قد يضر بسيولة اليورو ويترك الساحة مفتوحة لحلول دفع أجنبية.
أوضحت يورونيوز أن المشروع لا يزال في مرحلة التحضير حتى أكتوبر 2025، وبعدها سيقرر مجلس المحافظين المضي قدُمًا شرط اكتمال المسار التشريعي.
وحتى في حال الموافقة، يُتوقع أن يستغرق الإطلاق بين 2027 و2029.
وبحسب وول ستريت جورنال، يؤكد البنك المركزي الأوروبي أن "اليورو الرقمي" ليس أداة جيوسياسية ولا يستهدف منافسة الدولار عالميًا، بل هو وسيلة دفع أوروبية عامة ومجانية، تحفظ الخصوصية وتدعم الشمول المالي وتؤمّن مستقبل العملة الموحدة.