موسيقى

مغربيات يكسرن الحواجز ويحافظن على فن "العيطة"

نشر
AP
وسط الأضواء الساطعة والموسيقى التقليدية، تواصل المغنيات الشعبيات المغربيات، المعروفات باسم الشيخات، الحفاظ على أحد أكثر أشكال التراث الغنائي المغربي عراقة: فن العيطة.
هذه التقاليد الشفوية، التي تمزج بين الشعر المغنى والتعبير الصادق عن هموم المجتمع، ظلت لعقود من الزمن تروي قصص الحب والمعاناة والتغيرات الاجتماعية.

فن العيطة.. ما هو؟

العيطة، التي تعني "النداء" أو "الصرخة"، ليست مجرد لون غنائي، بل مرآة للمجتمع تعكس أفراحه وأحزانه، وتتناول مواضيع حساسة مثل العلاقات العاطفية والصراعات الاقتصادية.
في حين أن العيطة تحظى بشعبية كبيرة في الثقافة المغربية، إلا أن المجتمع لا ينظر دائما بعين القبول إلى الشيخات، حيث يُنظر إليهن أحيانا نظرة تحمل بعض الوصم والتهميش. لكن هذا لم يمنع المغنية مباركة مولبلاد، التي تُعرف فنيا باسم ثريا، من تحقيق حلمها.
وتقول مولبلاد، التي نشأت في بلدة سيدي يحيى زعير الواقعة على السهول الأطلسية: "عائلتي لم توافق في البداية، وعانيت من نظرة المجتمع، لكن الأمور تحسنت الآن. أقوم بالغناء لكسب لقمة العيش وإعالة أطفالي".

من الحفلات الشعبية إلى المسارح العالمية

تنتقل الشيخات بين الملاهي الليلية في المدن الكبرى والمهرجانات الشعبية في القرى، حيث يقدمن عروضا تبهر الجمهور، سواء كان من طبقات اجتماعية بسيطة أو من النخبة. تؤدي المغنيات عروضهن بارتداء القفطان المغربي المطرز وأحزمة التُكشيطة الذهبية والمكياج الكثيف، في مزيج يجمع بين التقاليد والعروض المسرحية الجذابة.
عند اعتلاء مولبلاد المسرح، تسحر الجمهور بصوتها القوي، تتمايل على أنغام الموسيقى، بينما تتماشى حركات الرقص مع إيقاع الأغنية، إما بأسلوب جريء أو احتفالي حسب السياق.

العيطة.. من التقاليد الشعبية إلى السينما العالمية

فن العيطة أكثر من مجرد موسيقى، بل وسيلة للتعبير عن قضايا المجتمع، بدءا من الزواج والزراعة، وصولا إلى مقاومة الاستعمار الفرنسي في الماضي. ويؤدي الفنانون أحيانا أغانيهم باللهجة المغربية، بينما يغني آخرون بلغة الأمازيغ، مما يعكس التنوع الثقافي داخل المغرب.
في السنوات الأخيرة، ألهمت العيطة العديد من المشاريع الفنية المعاصرة، مثل الفرقة المسرحية "كاباريه الشيخات" التي تضم ممثلين ذكور يؤدون أدوار الشيخات تكريما لهن، إضافة إلى العمل الموسيقي "Aita, Mon Amour" الذي يمزج بين العيطة والإيقاعات الحديثة.
كما أن العيطة أصبحت موضوعا للسينما العالمية، حيث تم اختيار الفيلم المغربي "الجميع يحب توادا" كممثل للمغرب في جوائز الأوسكار هذا العام. الفيلم، الذي أخرجه نبيل عيوش، يروي قصة أم عزباء تترك قريتها في جبال الأطلس لتحقيق حلمها بالغناء في الملاهي الليلية والفنادق الكبرى في الدار البيضاء.
يعلق المخرج نبيل عيوش على تأثير العيطة قائلا: "لطالما أدهشتني قوة هؤلاء المغنيات. سواء كان الجمهور حداثيا أو محافظا، تجدهم جميعا يقفون وينغمسون في حالة من النشوة، تماما كما يحدث في الغوسبل".

فن لا يموت

مع تزايد تأثير الراب المغربي وموسيقى البوب الشرق أوسطية، يواجه فن العيطة تحديات في الحفاظ على مكانته. ومع ذلك، يؤمن عشاق العيطة ومغنوها أن هذا اللون الفني سيظل متجذرا في الثقافة المغربية.
يقول رشيد قداري، أحد المغنين المعروفين: "العيطة لن تموت، فهي تُجدَّد من قبل الشباب. سيظل هذا الفن موجودا عبر الأجيال، فحتى مع تطويره وتحسينه، يتم الحفاظ على أصوله".
سواء في القرى أو في قاعات الحفلات الفاخرة، تواصل الشيخات رفع أصواتهن، مرددات أغاني الأجداد، ومؤكدات أن العيطة ليست مجرد موسيقى، بل روح تعيش في قلوب المغاربة.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة