سياسة
.
على خلاف أقرانه في بقية الوزارات التركية صَعد اسم وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا على نحو لافت منذ تعيينه في منصبه، يونيو الماضي.
ولم يأتِ ذلك من فراغ، بل من نشاطه في الحرب التي يشنها على المافيا التركية، ونقل تفاصيلها الدقيقة وبشكل يومي على منصة إكس.
يتسلح كايا في معركته بصلاحيات رئاسية، كما يقول محللون أتراك، يراقبون الصعود السريع للوزير. فما هو مستقبله السياسي؟ وكيف يشن هذه الحرب التي دفعت بتركيا إلى قائمة الدول التي تعاني قصورا في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب؟
ينشط يرلي كايا بشكل كبير على منصة إكس، وبين يوم وآخر ومنذ تعيينه في منصبه أعلن ونشر تفاصيل تفكيك شبكات إجرامية كبيرة، يقود قسم منها أتراك وأجانب، ومطلوبون للإنتربول.
آخر العمليات، يوم الأربعاء 27 أغسطس، إذ قال الوزير إنه "تم إلقاء القبض على زعيم منظمة إجرامية في إسطنبول يُدعى إريك شرودر"، وهو مطلوب لدى الإنتربول بموجب نشرة حمراء أصدرتها ألمانيا.
جاء ذلك بعدما ظهر يرلي كايا مع مجموعة من السيارات الفارهة تمت مصادرتها في عملية ضد عصابة "Comanchero" العالمية لتجارة المخدرات، ومن ثم تحولت وتغيّرت ألوانها، لتكون ضمن أملاك شرطة المرور التابعة لوزارة الداخلية.
في شهر ديسمبر أيضاً أعلن يرلي كايا إلقاء القبض على تاجر مخدرات سوري مطلوب في نشرة حمراء عممتها المملكة العربية السعودية.
وعلاوة على ذلك، فككت وزارة الداخلية منظمة مسلحة يقودها المدعو شون موناغان.
وقال يرلي كايا قبل أيام، إن شون موناغان قام بتوزيع كميات كبيرة من الكوكايين والهيروين في إنكلترا، وأن عصابته متورطة في تجارة أسلحة غير مشروعة، وسرقات مسلحة.
كما قال في وقت سابق من شهر نوفمبر إن السلطات فككت منظمة كبيرة يطلق عليها اسم "سارالار"، وتعرف بأعمالها الإجرامية والمتعلقة بتهريب وتجارة المخدرات، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
استلم يرلي كايا منصب وزير الداخلية خلفاً لسلفه سليمان صويلو، في يونيو 2023، بموجب التغييرات التي أجراها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية.
ورغم الشعبية التي عكستها شخصية صويلو داخل أوساط البلاد، استنسخ يرلي كايا ذات الصورة، لكن بإطار مختلف وإجراءات جديدة على الأرض.
يقول المحلل السياسي التركي، جواد غوك لبلينكس "يرلي كايا جاء بقوة، والكل يثمّن جهوده من حكومة ومعارضة".
ويضيف "اسمه يصعد بشكل كبير، وكأنهم يجهزونه لمناصب عليا مثل الرئاسة التركية".
"مثل هذه النقاشات موجودة في تركيا، وتتسلط الأضواء كثيراً على شخصية يرلي كايا الناجحة"، وفق غوك.
ومنذ تعيينه، دائماً ما تمت مقارنة يرلي كايا بسلفه صويلو، من حيث أسلوبه وأنشطته.
وكان لافتاً استحواذه على تأييد الأوساط المؤيدة للحزب الحاكم، والأخرى الموجودة في المعارضة.
خلال مفاوضات الميزانية في البرلمان التركي، قال نائب حزب تركيا، أحمد شيك "أود أن أشكركم على هذا الموقف، الذي يعد دليلاً على الفجوة النوعية بينكم وبين سلفكم"، في إشارة منه إلى يرلي كايا.
وأضاف نائب "حزب الشعب الجمهوري" في ملاطية، ولي أغبابا، حينها، أن "جميع اللصوص والمافيا والمحتالين كانوا يلتقطون صوراً مع صويلو ويذهبون إلى السوق".
وتابع موجهاً خطابه لوزير الداخلية التركي كايا "لقد بدأت بداية جيدة".
يوضح الباحث السياسي التركي، هشام جوناي، أن "يرلي كايا من الواضح أنه يأخذ صلاحيات من أردوغان، لكي يقود المهمة الأمنية ضد عصابات تبييض الأموال في البلاد".
وبينما يشير جوناي إلى الكثير من العمليات التي استهدفت كبار قادة العصابات، يقول إنه ما يزال آخرون يمتلكون "تأثيرا كبيرا" ولم تستهدفهم الحملة، مثل علاء الدين تشاكجي.
"ما يتم فعله هو مكافحة بعض الشخصيات الذين يمثلون جزءاً صغيراً من الجبل الجليدي الكبير في البلاد"، حسب جوناي، دون أن يقلل من المهمة الأمنية التي تجري، حسب تعبيره.
ويضيف جوناي لبلينكس "يرلي يسوّق لاسمه من خلال الأعمال الأمنية، ويرسم صورة مختلفة عما كان عليه سلفه صويلو".
ويتابع: "أتى لكي يلعب دورا، ويُظهر صورة مختلفة تماماً عما كان عليه صويلو"، مشيراً إلى أن "الحكومة قدمته قبل الانتخابات للعب كارت يستند إلى واقع مكافحة العصابات والفساد وشبكات تبييض الأموال".
من جانبه يوضح الباحث السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، أن قوة يرلي كايا تأتي من عدة عوامل.
أولها "الاعتماد على المعلومات السابقة من الوزير السابق سليمان صويلو، وبالتالي كانت هناك معلومات كبيرة، وتخطيطات كبيرة بنى عليها واستمر بها".
أما العامل الثاني، حسب حافظ أوغلو، فيتعلق بأن "يرلي كايا ومنذ فترة تسلمه وحتى الآن تفرّّغ بشكل كامل لمحاربة الإرهاب، والكثير من الجرائم ورجال المافيا ورؤساء هذه العصابات".
ويضيف لبلينكس أنه "استغل بذلك غياب أي تأثيرات أو قضايا أخرى تشغله عن ذلك"، في إشارة منه إلى الظروف الطبيعية والمناخية وما إلى ذلك.
وفي السادس من ديسمبر وجه يرلي كايا رسالة عبر "إكس" ذكر فيها أن "المعركة ضد جماعات الجريمة المنظمة الدولية والوطنية وتجار السموم ستستمر بشكل متزايد".
وهدد بالقول "لن نسمح لأي شخص بأن يفتح عينيه".
ويقول مسؤول حكومي كبير نقل عنه موقع بي بي سي باللغة التركية، إنه "ومع السلطة الكاملة التي منحها أردوغان، كان هناك دافع هائل لمحاربة المافيا والعصابات ومكافحة المخدرات، دون أي أجندة".
وأضاف أن جهاز الاستخبارات و"مجلس التحقيق في الجرائم المالية" والرئاسة ووزارة الدفاع "على اتصال وثيق" فيما يتعلق بالعمليات التي تم الإعلان عنها، وما تزال مستمرة حتى الآن.
حتى الآن لا تُعرف بالتحديد الأهداف التي تقف وراء الحملة المكثّفة والكبيرة التي يقودها يرلي كايا.
وقال المسؤول الحكومي الذي نقلت عنه بي بي سي إن "الهدف هو إخراج تركيا من القائمة الرمادية".
ويضيف "نحن نعمل على خطة. لكل شخص دوره الذي يجب أن يلعبه بما يتماشى مع هذه الخطة".
وفي أكتوبر 2021 وضعت مجموعة العمل المالي (غافي) الدولية، تركيا تحت المراقبة، بسبب قصور في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
وأكدت المجموعة في تقرير، حينها، أنه "منذ 2019، حققت تركيا بعض التقدم" في هذه المجالات.
لكن "لا تزال هناك مشكلات جدية" بشأن وضع أنقرة، كما أعلن رئيس المجموعة، ماركوس بليير، خلال مؤتمر صحافي، معلناً عن وضع تركيا على "اللائحة الرمادية".
وإدراج دولة ما على اللائحة الرمادية لغافي التي تضم 39 عضواً قد يخلف تداعيات في مجال الاستثمارات الأجنبية في تلك الدولة من خلال المساس بصورتها.
وبينما تشهد تركيا أزمة عميقة بسبب تدهور عملتها، يركز أردوغان وحكومته والفريق الاقتصادي الجديد الذي عيّنه بعد فوزه بالانتخابات، على تبديد التداعيات الكبيرة التي انعكست على مدى العامين الماضيين.
يشير الباحث حافظ أوغلو إلى أن العمليات التي يتم استهدافها أكبر من وزارة الداخلية. ويتحدث عن "عمليات وتنسيقات ما بين الوزارة وجهاز الاستخبارات" أيضاً.
ومن جانب آخر يشير الباحث التركي إلى نية الحكومة وأردوغان "تحقيق إنجازات قبل أن تنتهي أيام هذه السنة" خاصة وأن الاستقرار كان شعار الانتخابات الأخيرة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة