صفقة ترامب في اختبار الميدان.. هل تُعيد الرهائن أم تُسقط نتنياهو؟
هل ستحقق الدبلوماسية التي يضغط لها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، صفقةً سريعةً لوقف النار في غزة وإعادة الرهائن، أم أن التعقيدات السياسية والميدانية ستسقط الاتفاق؟
تبرز هذه هي الإشكالية بعد سلسلة اتصالات رفيعة وخرائط انسحاب معلنة ودعوات لوقف الضربات، مقابل استمرار القصف ومقترحات مشروطة من طرف حماس ومخاوف داخلية إسرائيلية.
خطة ترامب.. اتصالات مباشرة وخرائط انسحاب
بحسب تقرير أكسيوس، قال ترامب إنّ "السلام في غزة قريب"، مؤكدًا أنه سيدفع نحو إنجاز الاتفاق خلال الأيام المقبلة.
وكشف أنّه قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "هذه فرصتك للانتصار، وكان موافقًا على ذلك. عليه أن يكون موافقًا، ليس لديه خيار. معي، يجب أن تكون موافقًا".
ونقل الموقع الأميركي عن مسؤول في البيت الأبيض أنّ المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف وصهر ترامب جاريد كوشنر توجّها إلى القاهرة في عطلة نهاية الأسبوع لوضع اللمسات التقنية الأخيرة على صفقة تبادل الرهائن ومناقشة اتفاق سلام دائم.
وأضافت أكسيوس أنّ القوات الإسرائيلية انتقلت، صباح السبت، إلى "عمليات دفاعية"، حسب وصفها، في غزة وأوقفت غاراتها الجوية باستثناء تلك اللازمة لحماية القوات، بعد دعوة ترامب إلى وقف الضربات وبدء محادثات مع حماس.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أنّ إسرائيل "تستعد للتنفيذ الفوري للمرحلة الأولى من خطة ترامب للإفراج عن جميع الرهائن".
في منشور على منصة "تروث سوشال"، شكر ترامب إسرائيل على "وقف القصف مؤقتًا"، ودعا حماس إلى "التحرك بسرعة نحو إطلاق سراح الرهائن"، محذرًا من أنّ الصفقة "ستُسحب من الطاولة" إن تأخرت.
وقال: "لن أقبل أي تأخير ولا أي نتيجة تجعل غزة خطرًا من جديد. فلنُنجز هذا بسرعة. الجميع سيُعامل بعدل".
أردوغان في المشهد.. "ضغوط عبر الهاتف"
قبل دعوته العلنية لوقف الضربات، أجرى ترامب اتصالًا مع نتنياهو، وأوضح لأكسيوس أن فريقه حذّره مسبقًا من أنّ رئيس الوزراء "قد يكون مترددًا"، لكنه أضاف أنّ نتنياهو وافق على المضيّ قدمًا.
كما كشف ترامب عن دورٍ تركي فاعل قائلاً إنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، "كان مفيدًا جدًا" في الضغط على حماس للمضي قدمًا في صفقة إطلاق الرهائن.
ونقل مسؤول أميركي أنّ ترامب قال لأردوغان خلال اتصالٍ جرى قبل ردّ حماس: "لقد فعلت الكثير من أجلك، والآن أحتاج أن تفعل هذا من أجلي".
وفي مقابلة أكسيوس، قال ترامب إنّ الحرب في غزة عزلت إسرائيل دوليًا، وإنّ أحد أهدافه هو "استعادة مكانتها على الساحة الدولية"، مضيفًا: "بيبي ذهب بعيدًا جدًا، وإسرائيل خسرت الكثير من الدعم في العالم. الآن سأعيد كلّ هذا الدعم".
من تبادل الرهائن إلى خرائط الانسحاب.. ماذا في الخطة الميدانية؟
بعد ظهر السبت، نشر ترامب خريطة تُظهر خطّ الانسحاب الإسرائيلي الأول من أجزاء من غزة، الذي سيُنفّذ فور إطلاق سراح الرهائن.
وأوضح أنّ هذه الخريطة "عُرضت على حماس"، وأنّ "خطّ الانسحاب الأولي سيكون القضية الأساسية في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس التي ستبدأ الإثنين في مصر".
وقال الرئيس الأميركي إنّ "وقف إطلاق النار سيصبح ساريًا فورًا عند تأكيد حماس"، لتبدأ "عملية تبادل الرهائن والأسرى، تمهيدًا للمرحلة التالية من الانسحاب"، التي وصفها بأنّها "ستقرّبنا من نهاية هذه الكارثة المستمرة منذ ٣ آلاف عام".
بحسب فرانس برس، تستضيف القاهرة الأحد مفاوضين من إسرائيل وحماس لبحث مسألة الإفراج عن الرهائن والمعتقلين في إطار خطة ترامب، بحضور جاريد كوشنر وستيف ويتكوف لإنجاز الاتفاق.
وأشارت الوكالة إلى أنّ نتنياهو طلب من وفده المفاوض التوجّه إلى القاهرة "لإنجاز التفاصيل التقنية"، وأنّ حماس وإسرائيل ستجريان مباحثات غير مباشرة حول "ترتيب الظروف الميدانية لعملية التبادل".
ونقلت فرانس برس تحذير ترامب من أنه "لن يتهاون مع أي تأخير" في تنفيذ الخطة التي تنص على وقف الحرب وإطلاق الرهائن خلال 72 ساعة، وانسحاب تدريجي من غزة، ونزع سلاح حماس، وتسليم إدارة القطاع إلى هيئة تكنوقراطية فلسطينية تشرف عليها سلطة انتقالية برئاسته.
وفي وقت لاحق، قال ترامب إن إسرائيل وافقت على "خط انسحاب أولي عرضناه على حماس"، مرفقًا منشوره بخريطة تُظهر منطقة الانسحاب باللون الأصفر، على بُعد 1.5 إلى 3.5 كيلومترات من الحدود.
القصف مستمرّ.. هل يعاند الميدان المفاوضات؟
رغم الضغوط الدبلوماسية، واصلت إسرائيل غاراتها على قطاع غزة، وفق أسوشيتد برس التي نقلت عن مصادر فلسطينية أنّ المدفعية الإسرائيلية قصفت تجمعات مدنية شرق وادي غزة، فيما استهدفت الطائرات أحياء الصبرة والجلاء والثلاثيني ومخيم المغازي.
وذكرت فرانس برس أنّ القصف أوقع نحو 60 قتيلاً، وأن الدفاع المدني في غزة أفاد بأنّ "الضربات الإسرائيلية المتواصلة منذ الفجر" أسفرت عن عشرات القتلى في مدينة غزة وحدها، رغم تأكيدات إسرائيل بالتحول إلى "الوضع الدفاعي"، حسب وصفها.
أصوات وافتتاحيات إسرائيلية متباينة.. ماذا جاء فيها؟
تباينت الأصوات داخل الصحافة الإسرائيلية في مقاربة خطة ترامب وردّ حماس عليها، بين من يراها نافذة نادرة يجب اقتناصها، ومن يعتبرها تهديدًا سياسيًا قد يطيح بالحكومة.
في افتتاحية صحيفة "جيروزاليم بوست"، رأت الصحيفة أنّ ما عُرض يمثّل "فرصة نادرة لإنقاذ الأرواح" حتى لو لم يكن الاتفاق مثاليًا.
الافتتاحية شدّدت على أن القاعدة المنطقية في هذه المرحلة، كما كتب ترامب نفسه، هي "إخراج الرهائن بأمان وسرعة"، مع الحفاظ على المتطلبات الأمنية الأساسية لإسرائيل.
وطرحت الصحيفة ٣ ركائز قالت إنّها يجب أن تحدد موقف إسرائيل من الصفقة:
يجب أن تُصر إسرائيل على جداول زمنية واضحة وآليات مراقبة من أطرافٍ ثالثة، لضمان الإفراج عن جميع الرهائن، الأحياء منهم والقتلى، مع تحقق فوري في كل عملية تسليم.
شددت الافتتاحية على ضرورة ألّا تُستغل أي هدنة لإعادة التسلّح أو التموضع. ودعت إلى فرض تفتيش صارم لتدفّقات المساعدات ومنع التهريب، مع عواقب واضحة لأي خرق أمني.
رحّبت الصحيفة مبدئيًا بتعهّد حماس بتسليم إدارة غزة إلى "هيئة فلسطينية مستقلة"، لكنها حذّرت من أن تتحول هذه الهيئة إلى "واجهة جديدة للبنية التحتية نفسها للإرهاب".
وختمت "جيروزاليم بوست" بأنّ الصفقة ليست استسلامًا، بل خيار مسؤول، إذا كانت ستعيد الرهائن وتؤسس لمستقبل مستقرّ في غزة، داعية الحكومة إلى "اختبار العرض بعقل بارد وعيون مفتوحة".
أمّا صحيفة "معاريف"، فذهبت في اتجاه مختلف تمامًا، معتبرة أن ردّ حماس "نعم ولكن" وضع إسرائيل أمام أكبر مأزق سياسي منذ عقد.
المقال وصف المشهد بأنّه أزمة قيادة داخلية: فقبول الخطة الأميركية قد يعني تفكك الائتلاف الحاكم، ورفضها قد يفقد إسرائيل آخر بقايا شرعيتها الدولية.
التحليل أوضح أن الضغط الأميركي وصل إلى ذروته، وأنّ واشنطن "سئمت الحرب" فيما يسعى ترامب إلى إنجاز دبلوماسي سريع يعيد الاستقرار إلى الشرق الأوسط.
من وجهة نظر الصحيفة، ردّ حماس، ولو كان جزئيًا، مكّن ترامب من القول إنّ الضغط نجح، وأنّ الدور الآن على نتنياهو لإظهار المرونة.
لكن في الداخل، كما كتبت الصحيفة، يقف نتنياهو على "حبل سياسي مشدود": وزراء اليمين المتطرف، مثل سموتريتش وبن غفير، يهدّدون بالانسحاب من الحكومة إن تمّ إعلان وقف إطلاق النار قبل "القضاء الكامل على حماس".
في المقابل، يلمّح غانتس إلى إمكانية الانضمام للحكومة إن وافقت على الخطة، بينما أعلن يائير لابيد استعداده لتأمين "شبكة أمان" لتمرير صفقة الرهائن مقابل تحديد موعد للانتخابات.
ووصفت "معاريف" هذه اللحظة بأنها "نقطة اللاعودة" في السياسة الإسرائيلية: فخطة ترامب قد تُسقط الحكومة الحالية أو تؤسس أخرى مؤقتة، بينما تحاول إسرائيل التوفيق بين تهدئة الأميركيين، والحفاظ على قبضتها العسكرية، ومنع تفكك الائتلاف.
واختتمت الصحيفة الإسرائيلية مقالها بعبارة لافتة: "حماس تشتري الوقت، إسرائيل تشتري الشرعية، والولايات المتحدة تشتري إنجازًا، وربما طريقًا إلى جائزة نوبل للسلام".