تراجع الإنجاب في الأردن.. "أم محمد" تواجه "أم سامي"

أم محمد عميلات من محافظة معان، توضح لبلينكس أنّ العائلات في هذه المحافظة مازالت تحافظ على رغبتها في وجود عدد كبير من الأبناء والأحفاد، ولكنها تقول "هذه الأرقام لو تمت مقارنتها مع الماضي، بكل تأكيد فإن معدلات الإنجاب تراجعت، معظم الأسر الآن لديها 5 أبناء، أما في الماضي فقد كانت المرأة تنجب ما يقارب العشرة".

فيما بينَ أمين عام المجلس الأعلى للسكان في الأردن، الدكتور عيسى مصاروة، في بداية اللقاء أنّ الإنجاب هو حق مكفول للأفراد حسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فالأفراد لهم الحق في الزواج وإنجاب العدد الذي يرغبون به من الأبناء، والتباعد المناسب الذي يختارونه.

وقال مصاروة في حديثه لبلينكس "المجلس يستخدم معيار الإنجاب المكتمل، حيث يُنظر إلى المرأة المتزوجة التي بلغت سن الأربعين ويتم سؤالها عن عدد الأطفال الأحياء الذين أنجبتهم خلال حياتها الماضية، وهذا المعيار هو معيار فعلي أكثر دقة، وفي المتوسط فإن المرأة الأردنية تنجب 3.7 مولود، أي كل ألف امرأة متزوجة وصلت لسن الأربعين أنجبت 3 آلاف و700 مولود".

عند سؤال الأمين العام للمجلس، عن المعايير، أوضح مصاروة في أن سن الإنجاب هو من عمر (15- 49) عاما، وأن معدلات الإنجاب الفعلية غير متساوية، ويتم تفصيلها وفقا لمستوى الدخل، ومكان السكن، والجنسية وغيرها من المتغيرات.

ويبلغ عدد الأردنيات اللواتي في عمر الإنجاب ما يقارب 2 مليون و600 ألف، وفي المملكة كل 100 امرأة تبلغ سن الخمسين أي أنها أنهت حياتها الإنجابية، مقابلها 275 فتاة يدخلن سن 15 سنة، وفق شرحه.

وفي ذات السياق، يجد مصاروة أن المؤشرات تظهر أن معدلات الإنجاب في الأردن تتراجع، لكن التوقعات بأنها لن تنخفض أكثر مما تبلغ حاليا، فهذا المعدل يتأثر بنسبة المتزوجات وهي نسبة مستقرة وتبلغ 57% من عدد الفتيات في سن الإنجاب.

العامل الآخر، بحسب مصاروة، هو نسبة الأزواج الذين يستخدمون وسيلة من وسائل تنظيم الحمل، ونسبة الأردنيين في المسح الحديث أظهرت أن 38% من المتزوجين يستخدمون وسيلة حديثة، ومقابل ذلك هناك نسب عالية يلجأون للوسائل التقليدية، وذكر أن الأردن يستقبل كل 5 سنوات مليون مولود على الأقل.

نوّه مصاروة إلى أنّ معدلات الإنجاب مرتبطة أيضا بالزواج المبكر، وقد حصل انخفاض في نسبة الفتيات اللواتي يتزوجن قبل سن 18.

وبحسب بيانات دائرة قاضي القضاة الحديثة فإنّ الزواج بين الأردنيين بلغ 10%، ولكنه ما يزال مرتفعا بين اللاجئين السوريين حيث بلغت نسبة من تزوجن بينهم قبل سن 18 سنة 38% عام 2022.

وعودة إلى عام 1976 فقد كانت معدلات الإنجاب تبلغ 7.7 أطفال للمرأة، مقارنة مع المعدل الافتراضي 2.6 طفل وفقا لمصاروة، "مع الإشارة إلى أن هذا المعدل غير معتمد، في حين أن المعدل المكتمل المعتمد يظهر أن معدل الإنجاب لدى المرأة الأردنية 3.7 أطفال، 4.5 أطفال للمرأة السورية و4.7 أطفال بين القاطنات منهن في المخيمات"، بحسب مصاروة.

رغم الاختلاف في اتجاهات الأمهات في الأردن، فإن الاتفاق بين أم محمد وأم سامي في أنّ العامل الاقتصادي أثّر بشكل واضح على الرغبة في الإنجاب، وأن الأسر أصبح لديها وعي بوسائل تنظيم الأسرة، وأن التعليم وتوجه المرأة لسوق العمل وضع حدودا لهذه القضية.

تقول أم سامي لبلينكس "كيف لي أن أنجب أكثر من طفلين. أحب الأطفال ولكن هناك مسؤولية تقع على عاتقنا بأن نؤمن لهم ما يحتاجونه من متطلبات، وفي الحقيقة فإن ما نتقاضاه من أجر لا يوازي هذه الكلفة، فضلا إلى أنّ الأسر كلها تغيرت، ولم يعد هناك تكافل اجتماعي والأسرة ملزمة من الألف إلى الياء باحتياجات هذا الطفل".

وبالنسبة لأسباب هذا التراجع، أكدت رئيسة قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، الدكتورة ميساء الرواشدة لبلينكس أن هناك تراجعا على مستوى الأردن وكذلك على مستوى العالم.

تفسر الرواشدة هذه الأسباب، بالقول: "زيادة فرص التعليم والعمل، وتأجيل الزواج والإنجاب، والاتجاه نحو تفضيل الأسر الصغيرة نسبيا، فضلا عن أنّ الوضع الاقتصادي يلعب دورا مؤثرا بدءا من القدرة على توفير متطلبات الزواج، وصولا إلى قرار إنجاب طفل".

وبيّنت الرواشدة في تصريحاتها أن هذه القضية أيضا تتأثر بموضوع توفر فرص العمل، وعدم توفر هذه الفرص يحرم الشباب من تأسيس أسرة مستقرة، حيث تبلغ معدلات البطالة بحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الحديثة 22.3%، وفي الوقت نفسه فإن ارتفاع نسب التعليم أدت إلى زيادة الوعي بوسائل تنظيم الأسرة، مما قلل عدد الولادات.

تضيف الرواشدة، وهي متخصصة في مجال الديموغرافيا الاجتماعية، أن قرار إنجاب الطفل أصبح مدروسا، فهذا الطفل ورعايته له كلفة عالية لا يمكن تجاهلها، ومن هنا تتردد الأسر في إنجاب الطفل، في وقت تغيرت القيم الاجتماعية والثقافية، ولم تعد مكانة المرأة ترتبط بعدد الأطفال الذين تنجبهم، وخاصة الذكور.

ويشهد الأردن، تغيرا في شكل الأسرة نتيجة الهجرات من المناطق الريفية إلى الحضرية، وتخضع قضية الإنجاب لمعايير مختلفة، فالأسر التي تستقر في العاصمة عمّان ترى هذه القضية بعين تختلف عن سكان المحافظات الأخرى، بحسب الرواشدة.

وتشير الرواشدة إلى أنّ معدلات الإنجاب في الأرياف أعلى من المدن، وهذا يعود إلى طبيعة الحياة في الأرياف حيث تنظر الأسرة للطفل باعتباره السند، إضافة إلى أن المهن في هذه المكانة تحتاج إلى هذا العدد من الأيدي العاملة، والثروة تتدفق من الأبناء إلى الآباء، أما المجتمعات الحضرية فإن إعداد طفل للمستقبل يحتاج إلى كلفة مادية، وتاليا فإن الثروة في هذه الحالة تتدفق من الآباء للأبناء.

فيما لفتت الرواشدة في أن معدلات الخصوبة في الأردن تتجه نحو الانخفاض "ولكن لن نلمس انخفاضا في عدد السكان في السنوات القليلة المقبلة، مع الإشارة إلى أن 33% من سكان المملكة هم من اللاجئين وخصوبتهم مرتفعة، وهي تدخل ضمن إحصائيات النمو السكاني"، وفق قولها.