مال وأعمال

"تهريب أنيق" بأسعار مضاعفة.. كيف تعيد الصين المعادن لأميركا؟

نشر
Camil Bou Rouphael
من تايلاند والمكسيك إلى جنوب أستراليا وفنلندا، تتقاطع شحنات غامضة وصفقات محفوفة بالمخاطر في سباق عالمي على المعادن الحيوية.
ورغم الحظر الصيني على تصدير الغاليوم والجرمانيوم والأنتيمون إلى الولايات المتحدة، إلا أن هذه الموادّ نفسها عادت إلى السوق الأميركية، عبر طرق "إعادة شحن" غير مباشرة، قادتها شركات صينية باستخدام تسميات جديدة مثل "مستلزمات فنية" أو "حديد"، وفق ما كشفته رويترز.
لكن هذه الالتفافات لم تُخفِ واقع الهيمنة الصينية الأعمق على البنية السوقية نفسها.
ففي تحليل نشرته فايننشال تايمز، حذر المستشار الأميركي السابق، ديليب سينغ، من أن الصين لا تسيطر فقط على الإنتاج، بل على آليات التسعير والبورصات والمعايير المرجعية.
ووسط هذا الواقع، وبينما تتلقى مصاهر خارج الصين إعفاءات مؤقتة أو قروضاً جزئية، يبقى السؤال مطروحاً: هل تنجح الولايات المتحدة في تفكيك الهيمنة، أم تعيد تدويرها عبر أطراف ثالثة؟

اعرف أكثر

تهريب مقنّع أم تجارة ذكية؟.. "إعادة الشحن" تتجاوز الحظر

تكشف رويترز أن واردات الولايات المتحدة من أكاسيد الأنتيمون من تايلاند والمكسيك قفزت بشكل غير معتاد منذ فرض الحظر، إذ بلغت خلال 5 أشهر فقط قرابة ما استُورد خلال 3 سنوات مجتمعة، رغم أن هاتين الدولتين لا تنتجان فعليًا كميات تُذكر من المعدن، وتمتلكان مصهرًا واحدًا فقط لكل منهما.
في التفاصيل، أظهرت سجلات الشحن أن شركة Thai Unipet، التابعة لمنتج صيني، أرسلت آلاف الأطنان من منتجات الأنتيمون إلى الولايات المتحدة، بنسبة تفوق 27 ضعفًا عن الفترة نفسها في العام السابق.
وتُظهر الوثائق أن هذه الشحنات أُدرجت أحيانًا تحت مسميات مختلفة لإخفاء منشأها الحقيقي.
في المقابل، أقرّت وزارة التجارة الصينية، بحسب ما نقلته رويترز، بوجود تواطؤ بين شركات أجنبية ومصانع داخلية للالتفاف على القيود، معتبرةً أن هذا التهريب يهدد الأمن القومي.
وتواصلت عمليات إعادة الشحن رغم التصريحات الصينية، ما أظهر صعوبة السيطرة على مسارات التجارة، وفق رويترز.

بكين تفشل في فرض قيودها وواشنطن تشتري من خلف الستار

في شهادات حصلت عليها رويترز من مسؤولين تنفيذيين في شركات أميركية، تبيّن أن بعضهم واصل شراء الأنتيمون والغاليوم من الصين، عبر عمليات إعادة توجيه تمرّ عبر دول آسيوية، حيث تُعاد تسمية الشحنات لتفادي التصنيفات الرسمية.
ومن بين هذه الشهادات، قال الرئيس التنفيذي لشركةGallant Metals إن وكلاء صينيين يشترون الموادّ محليًا، ثم تعاد شحنها بتسميات مموّهة، مشيرًا إلى أن الشحنات الكبيرة تُثير الشكوك، وإلى أن شركات الشحن الصينية أصبحت أكثر حذرًا في عملياتها.
ويشير المحامي جيمس شياو، المتخصص في القوانين التجارية الصينية، في حديثه مع رويترز، إلى أن من يُضبط في هذه العمليات قد يُواجه تهماً بالتهريب، تطال حتى الصفقات التي تجري خارج الأراضي الصينية، في حال فشل المصدرون في تحديد هوية المستخدم النهائي.
ورغم ذلك، فإنّ الحظر الصيني لم يُترجم إلى تراجع جوهري في الإمدادات، بل أدى فقط إلى ارتفاع الأسعار، وفق ما رصدته رويترز من بيانات السوق وسجلات الشحن.

من يلعب الدور القيادي؟

وفق ما أوضحته فايننشال تايمز، لا تكمن قوة الصين فقط في وفرة الإنتاج، بل في احتكارها للبنية السوقية، من البورصات إلى العقود المرجعية، ما يجعل حتى الصفقات المحلية في الغرب خاضعة لأسعار تحددها بكين.
في هذا الإطار، دعا النائب روب ويتمان إلى تأسيس "احتياطي استراتيجي للمرونة"، يقدم قروضًا للوسطاء ويُضفي شفافية على الأسعار.
كما حث ديليب سينغ على إعادة بناء بورصات المعادن ونظم التخزين والعقود المعيارية، بدلًا من اعتماد أدوات حكومية مشوهة قد تكرر فشل التخطيط المركزي.
لكن حتى الآن، لا توجد آلية واضحة تتيح للولايات المتحدة أن تلعب دورًا قياديًا في تسعير المعادن أو تخزينها أو تنظيم أسواقها.
ورغم مناقشة فكرة احتياطي استراتيجي شبيه بالنفطي، إلا أن فايننشال تايمز تؤكد أن الأسواق ما تزال خاضعة للنفوذ الصيني.

دعم مصاهر "ما قبل الانهيار"

من جنوب أستراليا، تحدثت بلومبرغ عن مصهر بورت بيري، التابع لشركة Nyrstar، والذي يعاني من خسائر تشغيلية ضخمة شهريًا، رغم محاولاته البدء بإنتاج الأنتيمون على نطاق محدود.
وتقول الشركة إن تحديثه لبلوغ مستويات إنتاج تجاري سيحتاج إلى استثمارات بمئات ملايين الدولارات، في ظل منافسة شرسة من مصانع صينية مدعومة حكوميًا.
في فنلندا وفرنسا، تلقّت شركة Sibanye-Stillwater قروضًا ومنحًا حكومية لدعم مشاريعها في الليثيوم والنيكل، إلا أن رئيسها التنفيذي قال في مقابلة مع فايننشال تايمز إن المنافسة مع الصين تحتاج إلى دعم تسعيري مباشر، مؤكدًا أن الشركات الغربية تواجه تكاليف رأس مال أعلى، ومعايير بيئية أكثر تشددًا.
كما أشارت فوربس إلى أن إدارة ترامب تحاول معالجة هذا الخلل الاستراتيجي عبر صفقات مع دول ككازاخستان وتنويع سلاسل الإمداد، لكنها أكدت أن الصين ما زالت تسيطر على نحو 60 إلى 90٪ من قدرات التكرير العالمية، بما يشمل حتى الموادّ المستخرجة من دول أخرى.
ووفق رويترز، فإن بعض منتجي مغناطيس الأرض النادرة في الصين يواجهون ركودًا في الطلب وتراكمًا في المخزون، ما زاد الضغوط على الصناعة رغم استمرار سيطرة الصين على حصة كبرى من السوق.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة