صراعات
انتهى حكم بشار الأسد وعائلته في سوريا وانتهى معه خط الإمداد الاستراتيجي الذي يربط ما يعرف بـ"محور إيران" ويحدد مستقبل هذا المحور.
في العراق، وبينما تزج الحكومة بأغلب قواتها إلى الحدود السورية لتأمينها رغم تأكيد المراقبين عدم وجود مخاوف حاليا، إلا أن الجميع يترقب مستقبل ما يحصل وتأثيره على واقع العراق الأمني ومستقبل الميليشيات وتأثير إيران عليها، لا سيما بعد تدخلها السابق في الشأن السوري وحماية الأسد بداية الثورة.
فما هي التحركات العراقية حاليا؟ وما هو مستقبل الواقع بين البلدين الجارين؟
مع مغادرة الأسد يستمرّ العراق بدفع المزيد من التعزيزات إلى الحدود العراقية السورية وإرسال التطمينات بأن الحدود مسيطر عليها ومؤمنة رغم عدم وجود تهديد حتى اللحظة يلوح في الأفق.
وفي آخر التصريحات حول تأمين الحدود قال وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، خلال مؤتمر صحافي ظهر، الأحد، إن الحكومة عززت الحدود بقطعات من الجيش، ووضعت خط صد ثان لتأمين أمثل للحدود ومن أي تسلل أو اختراق.
في نفس الوقت أكد الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، يحيى رسول، أن الوضع على الحدود العراقية السورية تحت سيطرة القطعات العراقية.
وقال رسول إن "الحدود محصنة بشكل كبير، وهناك تواجد لقوات الحدود العراقية، إضافة الى تواجد قطعات الجيش والحشد"، مشيرا إلى أنه "تم تعزيز الحدود بقطعات إضافية في حال الحاجة لها أن تتدخل لكن الحدود محكمة ومحصنة بشكل كبير".
وتابع أن "الوضع على الحدود العراقية السورية جيد جدا وتحت سيطرة القطعات العراقية وهي محكمة ومدعومة بالجهد الفني المتمثل في الكاميرات الحرارية والأجهزة الفنية".
عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية في البرلمان العراقي عامر الفايز، قال في بيان صحافي إن "ما يجري في سوريا يعدّ شأنا داخليا لا ينبغي التدخل فيه"، مشيرا إلى أن العراق يلتزم بعدم الانخراط في الصراعات الداخلية للدول المجاورة، لكنه لن يتردد في الدفاع عن أمنه القومي إذا اقتضت الضرورة.
الفايز أوضح أن الوضع في سوريا يؤثر بشكل مباشر على العراق بسبب العلاقات الجغرافية والاجتماعية بين البلدين، حيث توجد امتدادات عشائرية تربط الشعبين. لذلك، يتعامل العراق مع هذه الأزمة بحذر شديد، مضيفا: "لا نريد التدخل في الشأن السوري الداخلي"، مجددا "رفض العراق بشدة أي وجود للفصائل (..) المسلحة التي تهدد استقرار المنطقة".
وأشار الفايز إلى أن "الوضع في سوريا معقد للغاية، والعراق يتابع التطورات عن كثب، مع الحفاظ على استعداداته الأمنية على الحدود".
حول دراماتيكية الأحداث المتسارعة وسقوط الأسد يرى مراقبون أن ما حدث ورغم تأثيره على واقع المحور الإيراني والميليشيات المرتبطة به في العراق لكنه كان وفق اتفاق تشترك به إيران.
المحلل السياسي أحمد السراج يقول إن إيران استسلمت للأمر الواقع ورفعت يدها عن نظام بشار حيث انسحبت جميع الميليشيات من هناك من دون قتال رغم الأهمية الاستراتيجية للشريان السوري الرابط لما يعرف بالمحور.
وأكد أن المستقبل تحدده الدولة السورية الجديدة وليس إيران وجماعاتها، مبينا أن الحساسية بين الميليشيات والفصائل السورية موجودة وبينهم ثارات من الدماء وبالتالي لن "يصفى الطرفين تجاه بعضهما البعض، وهذا ما يبرر تحشيد جميع القوات العراقية على الحدود".
لكن السراج اعتبر أن "الفصائل السورية منشغلة حاليا بالإعداد لحرب قادمة للحد من نفوذ "قسد" وانتشارها، وبعد الانتهاء من هذا ستلتفت إلى تصفية الحسابات السابقة، مستدركا أن رسالة الجولاني إلى رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني توضح بأنهم بصدد التعامل مع الحكومات وإهمال الميليشيات".
ومع انتهاء حكم عائلة الأسد لسوريا، يعتزم الإطار التنسيقي الحاكم في العراق، عقد اجتماع موسع خلال الـ48 ساعة المقبلة لمناقشة تطورات المرحلة المقبلة في سوريا وانعكاساتها على البلاد.
وقال القيادي في الإطار عصام شاكر، في تصريحات صحافية، إن "دمشق دخلت مرحلة جديدة ولا يمكن إعطاء رأي بمجريات ما يحدث لأنها متسارعة ومفتوحة لكل الاحتمالات".
وأضاف أن "الإطار التنسيقي قد يعقد اجتماعا موسعا لقياداته خلال 24-48 ساعة لمناقشة الملف السوري بعد مغادرة الأسد وما هي الرؤية لكيفية التعامل مع المرحلة القادمة وأهمية الانفتاح على ملف وجود آلاف العوائل العراقية في سوريا وغيرها من الملفات الهامة".
وأشار إلى أن "قوى الإطار تتابع عن كثب مجريات ما حصل ونأمل أن لا تؤدي التطورات الحاصلة في دمشق إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة ككل".
رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي والقريب من الإطار علق على مغادرة الأسد بتدوينة على منصة إكس قائلا: "بعد النصر اللبناني، حقق الهجوم المضاد في سوريا أولى نجاحاته، وسيحقق نجاحات موجعة أخرى".
لكن زعيم "ائتلاف النصر" والقيادي في الإطار الشيعي الحاكم حيدر العبادي، عبر منشور له على منصة إكس بالقول: "يوم جديد في سوريا، نأمل أن يكون يوم وحدة وحرية وعدالة وسلام لشعبها".
وذكر أيضا "قلت سابقا، وأعيد اليوم: كما لا يمكن للاستبداد أن يستمر، فلا يمكن للإرهاب أن ينجح"، مردفا بالقول "كلي أمل أن نشهد سوريا موحدة وآمنة ومتصالحة مع نفسها والعالم".
وقال العبادي "بين العراق وسوريا مشتركات هائلة يمكن توظيفها لخير الشعبين، ولقد سئمت شعوبنا الحروب والصراعات، وهي ترنو لعهد السلام والبناء".
وعن مرحلة ما بعد الأسد، يرى المحلل السياسي علاء الخطيب، أن "هناك الكثير من السيناريوهات موجودة، وربما تتغير حال المنطقة ونصل إلى خريطة جديدة للمنطقة، فسقوط الأسد سيغير الكثير من المعادلات".
وعن العراق، يشير إلى أن "الخطر بعيد عن العراق في هذه المرحلة خاصة أنه لم يتدخل بشكل مباشر في سوريا، لأن الوضع خطير وليس كما كان في 2011 و2012، حين كان الجنرال الإيراني قاسم سليماني حاضرا ووجود قوات روسية، مع قوة حزب الله اللبناني الذي تلقى ضربات قوية وكبيرة وفقد قادة كبارا".
ويرجح أن "تكون المرحلة المقبلة مختلفة وتحتوي هدوءا نسبيا إلى حد ما، حيث ستتراجع كثير من الدول عن مواقفها، وربما يصار إلى إنشاء دولة جديدة في الحدود السورية العراقية، وهذه الدولة هي التي تأخذ على عاتقها أن تكون شرطيا في المنطقة".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة