"لن نرحل حتى لو بقينا في الخيام وفي الشوارع ومن دون إعمار".. بهذه العبارة يختصر إيهاب أبو أحمد من غزة رأي العديد من الغزيين بمقترح الرئيس الأميركي الأخير بترحيلهم من القطاع المدمر بعد انتهاء الحرب بين إسرائيل وحماس.
كان هذا قبل يوم واحد من مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" والسيطرة الأميركية عليها، مع تهجير سكانها إلى الدول المجاورة في طلب رفضته مصر والأردن مرارا.
يشدد الفلسطينيون في غزة على أنّهم باقون في أرضهم حتى لو تأخّرت عملية إعادة إعمار القطاع المدمّر من جرّاء الحرب.
وبعد أيام عديدة على بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، تمكّن مئات آلاف النازحين من مناطق جنوب القطاع ووسطه من العودة إلى مناطقهم المدمّرة.
ويقول الإعلام الحكومي التابع لحماس إن العائدين إلى ديارهم في شمال القطاع يحتاجون إلى 135 ألف خيمة وبيت متنقل (كرفان) لم تكن إسرائيل حتى، الإثنين، قد سمحت بإدخالها.
وإثر عودته إلى البيت الأبيض، اقترح ترامب "تنظيف" غزة ونقل الفلسطينيين إلى أماكن "أكثر أمانا" مثل مصر أو الأردن، تماشيا مع رغبة اليمين المتطرف في إسرائيل وعدولا عن التزام بايدن بعدم تهجير الفلسطينيين بشكل جماعي، ما أثار احتجاجات دولية.
فكيف كانت ردود الفلسطينيين على مقترح ترامب؟
اعرف أكثر
يقول إيهاب أبو أحمد (30 عاما) من سكّان مدينة غزة إنه لن يرحل "حتى لو بقينا في الخيام وفي الشوارع ومن دون إعمار. سنظلّ متشبّثين بالأرض ولن نغادر من هنا كما حدث في عام 1948" عندما هُجّر مئات آلاف الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم لدى قيام دولة إسرائيل.
وأضاف متسائلا "ألم يفهموا أنّ الشعب الفلسطيني لن يرحل عن أرضه وسيبقى متمسكا بها رغم حجم التدمير الضخم؟"، لافتا إلى أنّ الخيام التي نصبها مئات آلاف النازحين عندما عادوا من جنوب القطاع إلى مدينة غزة وسائر أنحاء شمال القطاع هي بمثابة "رسالة يقولون فيها إنهم لن يرحلوا حتى لو لم يتم إعمار غزة".
وشدّد أبو أحمد على أنّ ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "يراهنان على أنه لن يتمّ إعمار غزة".
لكن مسؤولا أميركيا بارزا دافع فيما يبدو عن الرئيس حين سُئل عن مدى جدية ترامب في مقترحه، فقال إنه يرى غزة التي مزقتها الحرب "موقع هدم"، ويعتقد أن إعادة الإعمار تستغرق من 10 إلى 15 عاما، وسيكون من غير الإنساني إجبار الناس على العيش على أرض غير صالحة للسكن.
رفض حاتم عزام (34 عاما) وهو من سكان حي الجنينة في مخيم رفح جنوبي القطاع مقترح الرئيس الأميركي.
وقال "إذا كانت لدى ترامب نوايا طيبة لماذا لا يعلن استعداد بلاده، أميركا الغنية والكبيرة، لاستقبال سكان غزة" في شكل تدريجي.
وأضاف "فلتستقبل أميركا مثلا مئة ألف فلسطيني مؤقتا ثم يعود هؤلاء بعد إعمار منطقتهم (في غزة) ثم يسافر مئة ألف آخرون حتى تعمير منطقتهم".
وتابع مدرس مادة التاريخ في مدرسة أساسية تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) في رفح "لقد وُلدنا هنا في غزة وسنموت فيها".
واعتبر عزام أنّ الرئيس الأميركي "يعتقد أنّ غزة كومة قمامة، لا وألف لا، تصريحاته تعبّر عن عنجهية وظلم لشعبنا"، مشيرا إلى أنّ ترامب "يريد أن يفرض على مصر والأردن استقبال المهاجرين، وكأنها مزرعته. هو واهم، هذه خديعة مثل خديعة تهجير الناس في عام 1948، أوهموهم بأنّهم سيعودون بعد الحرب، وكذبوا".
وتابع "يجب أن يفهم ترامب ونتنياهو حقيقة شعب فلسطين وشعب غزة، الشعب متجذر بأرضه، لن نرحل ولن نهاجر تحت أيّ مسميات وخدع كاذبة".
التشبّث بالأرض مبدأ يتمسّك به أيضا أبو محمد القرعان (63 عاما) الذي يقيم حاليا في خيمة بمدينة غزة.
وقال "ليس من حقّ نتنياهو تهجير سكان غزة.. هو يريد بقوته تهجير أصحاب الأرض والقضية".
وأضاف "العالم مع نتنياهو، أما نحن فمعنا ربّنا، وربّنا لن يخذلنا لأنّنا على حق وهو على باطل". ويواجه اتفاق وقف النار العديد من التحديات.
وأعيد فتح معبر رفح استثنائيا السبت الماضي. وبناء على اتفاق وقف النار، من المقرر أن تسمح إسرائيل يوميا بسفر عشرات الغزاويين ممن يعانون حالات إنسانية طارئة.
وعشيّة لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض "ليس لديّ أيّ ضمان بأنّ السلام سيصمد"، قبل أن يتولى الكلام مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الذي كان جالسا إلى جانبه ليقول إنّ الهدنة "صامدة حتى الآن ونحن بالتالي نأمل حتما بأن نُخرج الرهائن وننقذ أرواحا ونتوصّل، كما نأمل، إلى تسوية سلمية للوضع برمّته".