تفتح الباب أم تغلقه.. ماذا تريد الولايات المتحدة من سوريا؟
انسحاب جزئي وشروط لتخفيف العقوبات.. هذه طريقة تعامل الإدارة الأميركية مع ملف سوريا حاليا.
ففي وقت تخطط واشنطن لتخفيض وجودها العسكري في سوريا، تطلب أميركا من الحكومة السورية اتخاذ خطوات لبناء الثقة مقابل تخفيف بعض العقوبات المفروضة على دمشق، أبرزها دعم عملياتها لمواجهة داعش بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية.
الحذر الشديد، هو السمة التي تلف السياسة الأميركية تجاه دمشق عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 ودخول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض بحسب مسؤول نقلت عنه لواشنطن بوست، لكن هذا الحذر يترجمه دبلوماسي أوروبي في قوله للصحيفة إنه "سياسة غير واضحة".
وأيضا داخل الولايات المتحدة الأميركية، فإن الأمر محل جدل، إذ قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، جيمس إي. ريش، في جلسة استماع عقدت في فبراير: "الانخراط الزائد في وقت مبكر قد يخلق معضلات أمنية إضافية، لكن عدم الانخراط أو الانخراط القليل جدا سيمنح روسيا وإيران القدرة على استعادة نفوذهما الكبير".
فهل تريد الإدارة الأميركية فتح الباب أم إغلاقه أمام سوريا؟
في اجتماع دولي عُقد في بروكسل الشهر الماضي، سلّم مسؤول أميركي وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قائمة من 8 "خطوات لبناء الثقة" من أجل تخفيف العقوبات المفروضة على دمشق، وتتضمن، بحسب
واشنطن بوست، الآتي:
- السماح للحكومة الأميركية بتنفيذ عمليات لمكافحة الإرهاب على الأراضي السورية ضد أي جهة تعتبرها واشنطن تهديدا للأمن القومي.
- إصدار إعلان علني رسمي يحظر جميع الفصائل الفلسطينية على الأراضي السورية، وترحيل أعضاء هذه الجماعات.
- إصدار إعلان رسمي لدعم عملية "العزم الصلب" (Operation Inherent Resolve)، وهي المهمة التي تنفذها القوات الأميركية البالغ عددها نحو 2000 جندي ضد داعش.
وطلبت واشنطن أيضا تأمين مخزون الأسلحة الكيميائية السوري، وهو ما قد يفتح الباب أمام تمديد استثنائي لإعفاء محدود من العقوبات كانت إدارة بايدن قد منحته لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
رغم ذلك، فإن هذه المطالب لم تورد أي ذكر لروسيا، في إشارة إلى تراجع الضغط الأميركي على دمشق لإخراج القواعد العسكرية الروسية من البلاد، على الأقل في الوقت الراهن، في ظل انخراط واشنطن بمفاوضات مع موسكو حول إنهاء الحرب في أوكرانيا، بحسب
صحيفة وول ستريت جورنال.
"إنقاذ سوريا لمواجهة إيران"
قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية لواشنطن بوست، إن الولايات المتحدة تواصل التعامل مع سوريا بحذر شديد إلى أن يثبت الشرع أنه تخلّص من المسلحين الأجانب وبقايا تنظيم القاعدة في حكومته، وأثبت قدرته على توحيد الأقليات المتفرقة في سوريا.
وأضاف المسؤول "نحن لا نسعى بالضرورة إلى إنقاذ سوريا من أجل الشعب السوري. بل نركز على ألا تعود إيران ولا يعود داعش، فهذه هي المصلحة الحيوية للشعب الأميركي هناك".
انسحاب أميركي من سوريا ومخاوف إسرائيلية
قال مسؤول أميركي، الخميس، إن الولايات المتحدة ستسحب نحو 600 جندي من سوريا، مبقية على أقل من ألف جندي للعمل مع الحلفاء الأكراد لمكافحة تنظيم داعش، بحسب أسوشيتد برس.
وسيؤدي رحيل هؤلاء الجنود إلى إعادة مستويات القوات إلى ما كانت عليه لسنوات، بعد أن شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها حملة استمرت سنوات عدة لهزيمة تنظيم داعش.
وقد أبقت الولايات المتحدة على نحو 900 جندي في سوريا لضمان عدم استعادة عناصر التنظيم الإرهابي موطئ قدم، ولكن أيضا كإجراء احترازي لمنع المسلحين المدعومين من إيران من تهريب الأسلحة عبر جنوب سوريا.
قبل ذلك، أبلغ مسؤولون أمنيون أميركيون نظراءهم في إسرائيل أن قوات الولايات المتحدة ستبدأ بالانسحاب بشكل تدريجي خلال الشهرين المقبلين، بحسب ما أفادت صحيفة
يديعوت أحرونوت.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن هذه الخطوة تشير إلى فشل الجهود السابقة لتل أبيب في منعها، لكن رغم ذلك فهي لا تزال تمارس ضغوطا على واشنطن لمحاولة إيقاف هذا المسار.
خلال المحادثات التي جرت بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي، عبّر المسؤولون الإسرائيليون عن مخاوف جدية من هذه الخطوة.
وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إنه يتوقع أن يكون الانسحاب جزئيا على الأقل، وهو ما تحاول إسرائيل أيضا منعه، خاصة في ظلّ الخشية من أن تسعى تركيا إلى توسيع نفوذها في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وخلال الفترة الأخيرة، تقدمت القوات الإسرائيلية نحو 235 كيلومترا مربعا داخل المنطقة المنزوعة السلاح، وأقامت 9
نقاط عسكرية، وشكلت طرقا وخنادق على امتداد المرتفعات.
ورغم أن حكومة دمشق الجديدة حذرت من "العدوان الإسرائيلي المستمر"، تصرّ تل أبيب على البقاء "لفترة غير محددة"، كما صرّح مسؤول عسكري إسرائيلي لفاينانشال تايمز، معلنا أن مساحات حتى 50 كلم داخل سوريا ستصبح "منطقة تأثير" إسرائيلية.