تلقت إيران ضربات متلاحقة لوكلائها في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية، ليتقلص نفوذها ويقترب من التلاشي نهائيا في بلاد عدة.
البداية كانت في حرب غزة، حيث تواجه حماس ضربات واسعة منذ 7 أكتوبر 2023، قبل أن تخسر السيطرة على القطاع الفلسطيني.
خسارة نفوذ حماس في قطاع غزة، أعقبه ضربات أخرى قاسية لحزب الله، الذراع الإيراني في لبنان، والذي فقد قدرا كبيرا من قوته وعتاده وكذلك قيادات الصف الأول، لتخسر إيران رهانها الأكبر، وفقا لتقديرات مؤسسات وصحف عالمية.
وفي سوريا، واجهت إيران استهدافا مباشرا لقنصليتها في دمشق أبريل الماضي، قبل أن تدخل المعارضة المسلحة دمشق فجر الأحد 8 ديسمبر، ثم اقتحام سفارتها ظهرا وتفريغ محتوياتها، قبل إعلان طهران أن طاقم السفارة والمستشارين العسكريين غادروا دمشق بالفعل السبت 7 ديسمبر.
اعرف أكثر
جاء هجوم حماس في 7 أكتوبر من العام الماضي، ليعلن بدء حرب واسعة النطاق ليس في قطاع غزة فحسب، وإنما في مواقع متفرقة بالشرق الأوسط.
وقبل الحرب الحالية، كانت حماس تدير القطاع الفلسطيني بنظام حكومي ومؤسسات، وتسيطر على كل شيء بداخله، وتحظى بدعم إيراني، لكن الوضع تبدل بعد الحرب، وأصر نتنياهو على أن الحركة الفلسطينية لن تحكم غزة مرة أخرى.
واعتبرت صحيفة إيكونوميك تايمز أن حماس، والمحور الإيران عامة ارتكبوا "رهانا خاطئا" عندما خططوا لهجمات 7 أكتوبر، وانتهى الوضع بخسائر متتالية.
وقالت دراسة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن إيران قدمت تدريبات عسكرية لسنوات لمقاتلي حماس، وأمدتهم بالسلاح لتنفيذ هجوم 7 أكتوبر، بالإضافة إلى تمويل الحركة الفلسطينية بمئات الملايين من الدولارات.
وحرّكت طهران، حزب الله في جنوب لبنان ضد إسرائيل، فيما يعرف بـ"حرب الإسناد" لتخفيف الضغط على جبهة غزة، لكن هذه الخطوة أنهكت ذراع إيراني آخر غير حماس، حسب ما قال مراقبون.
فقدت حماس السيطرة تماما على القطاع الذي بات يعج بالجنود الإسرائيليين وآلياتهم المختلفة، وتظلم سماؤه نهارا بالمقاتلات الحربية التي تلقي الأطنان من القنابل يوميا منذ ما يزيد عن 14 شهرا.
وكشف إعلام إسرائيلي، من بينهم تايمز أوف إسرائيل عن أن إيران هي سبب زيادة قوة حماس العسكرية، وتحويلها إلى تهديد مباشر لأمنها القومي، والإشراف على عملية 7 أكتوبر بالكامل، وفقا لوثائق نشرت تفاصيلها نيويورك تايمز.
وتتمسك إسرائيل بالبقاء في المحاور الحدودية كافة بقطاع غزة، لتحاصره من كل الجهات، بغرض منع أي دعم عسكري أو مادي مستقبلي من إيران بعد انتهاء الحرب.
ووجدت طهران نفسها غير قادرة على تقديم الدعم لحماس، وفي الوقت نفسه لا تستطيع مواصلة حرب الإسناد من خلال حزب الله الذي قبل بوقف إطلاق النار.
يلّخص المحلل المقرب من الحرس الثوري الإيراني، الموقف الإيراني الحالي، بالقول: "لقد انهار جدار برلين الذي يوحد ما يسمى بمحور إيران. هذا كل شيء"، حسب ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز.
ويرى جعفري أن فقدان إيران لذراعها في لبنان جاء من خلال ضربات مكثفة أضعفت حزب الله في الحرب التي استمرت 13 شهرا، وكانت بمثابة ضربة قوية لطهران، أعقبتها ضربة أقوى بمغادرة بشار الأسد، وبالتالي قطع طريق إمداد "طهران – بيروت".
ومن جانبه، يقول خبير العلاقات الدولية في طهران، مهدي زكريان، إن إيران لن تستطيع دعم حزب الله بعد تغيير الأوضاع في سوريا، حسب ما نقلت عنه وكالة فرانس برس.
وبعد أكثر من عام من التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، بدعم إيراني، حوّل الجيش الإسرائيلي ثقله باتجاه جنوب لبنان، وشنّ حربا شاملة ضد الحزب. من جانبها تقول إسرائيل إنها دمرت أغلب القوة العسكرية لحزب الله في لبنان، فضلا عن اغتيال معظم قيادات الصف الأول، وعلى رأسهم الأمين العام للحزب، حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين.
كما وجهت إسرائيل ضربات مماثلة لخطوط الإمداد الإيرانية التي اعتمد عليها الحزب للحصول على السلاح المتطور وتحديدا الصواريخ الدقيقة التي استخدمها لقصف المدن الإسرائيلية.
وجاءت موافقة حزب الله على وقف إطلاق النار مع إسرائيل، لتنهي تماما أي دور إيراني عسكري في جنوب لبنان، ليتلاشى نفوذها تدريجيا بانخفاض قوة حزب الله.
في السياق عينه، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الأحد 8 ديسمبر، إن حزب الله سيظل صامدا، مشيرا إلى أن الحزب اللبناني لديه ما يكفي من الأسلحة لدعم نفسه لعام أو عامين.
بعد أن شاهدت طهران خروج الأمور عن السيطرة في سوريا، قررت الانسحاب تدريجيا بعد انطلاق هجوم المعارضة السورية المسلحة نهاية نوفمبر، قبل وصولهم إلى دمشق فجر الأحد 8 ديسمبر.
مصدر إيراني مُطلع كشف لصحيفة فايننشال تايمز أن طهران كانت محبطة من الأسد في الفترة الأخيرة، موضحا: "منذ أكثر من عام كان واضحا أن وقت الأسد قد انتهى، لقد أصبح عقبة ومسؤولية، وليس حليفا".
وأشار المصدر للصحيفة أن إيران باتت تصف الأسد بـ"المتقاعس" بسبب عدم تقديمه الدعم والمساندة التي انتظرتها.
وذكر بعض المسؤولين في الحكومة الإيرانية، أن الأسد بدأ يتقرب من دول أخرى للتحالف معها بعيدا عن إيران، في محاولة للخروج من عباءة طهران.
وأكد مصدر آخر مطلع أن الأسد كان يُسرب معلومات حول مواقع وجود القادة الإيرانيين في سوريا لاستهدافهم، وكان ذلك بمثابة "ابتعاد الأسد عن طهران في وقت حاسم".
وبسقوط نظام الأسد، فقدت إيران حلقة الوصل الأساسية في محورها بالمنطقة، حيث كانت سوريا بوابة طهران لإمداد حزب الله والفصائل العراقية، وكذلك الحوثيين في اليمن.
وألقت وكالة أنباء فارس الإيرانية، لوما نادرا إلى بشار الأسد، وقالت إنه "لم يعر اهتماما كافيا بتوجيهات إيران"، مؤكدة أنه تصرف بصورة خاطئة.
وعلق الإيراني علق جمشيد، 65 عاما، خلال تجوله في شوارع طهران قائلا: "سوريا كانت الحليف الإستراتيجي لنا، ومنفذنا إلى البحر المتوسط".
وكشف جمشيد عن مخاوفه وكثير من الإيرانيين في أن يتبع سقوط نظام الأسد، ضررا كبيرا بإيران، وعواقب وخيمة تظهر في المستقبل القريب.
كشف المحلل السياسي، أصغر زراعي، أن إيران تخشى أن تمتد خسائرها من غزة ولبنان وسوريا، إلى العراق، بعد استمرار الضربات على أذرعها في المنطقة.
وقال زراعي في تصريحات تلفزيونية: "للأسف كل ما بنيناه على مدار 40 عاما، انهار فجأة، نحتاج إلى وقت طويل لإعادة بناء موقفنا، وهذا أمر صعب للغاية".
وشدد زراعي على أن إيران عليها أن تتجنب تكرار ما حدث في لبنان وسوريا وغزة، في العراق، وكذلك اليمن، مضيفا: "لقد حان وقت شد الأحزمة في أماكن أخرى".
وتشعر طهران بقلق بالغ بشأن احتمال امتداد الأزمة إلى العراق، حيث توجد فصائل مسلحة موالية لها وتحظى بدعمها، وتشكل بها تهديدا على القواعد الأميركية، وكذلك إسرائيل.
ويقول زكريا إن الهدف الرئيسي من تغيير النظام في سوريا هو قطع أذرع إيران في منطقة الشرق الأوسط بالكامل، مشيرا إلى أن أذرعها في العراق لن يسمح لهم بالاستمرار بنفس القوة.