صراعات‎

مخاوف من "مارس جديد".. سكان غزة يشتكون "هدنة على ورق"

نشر
blinx
 & 
على مدى عامين، حلم إسماعيل بابا بوقفٍ لإطلاق النار، فالأب لأربعة أطفال، الذي نزح إحدى عشرة مرة منذ اندلاع الحرب في غزة، كان يكافح لتأمين الطعام لعائلته وسط أزمة جوع متفاقمة.
وعندما أُعلن عن وقف إطلاق النار الأسبوع الماضي، ظنّ بابا أنه أخيرًا سيستطيع أن يلتقط أنفاسه. وعلى الرغم من أن الفوضى ما زالت تهيمن على حياته، إلا أن إحساسه بالأمان النسبي من الغارات الإسرائيلية منحه بعض الطمأنينة، وفق تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
لكن هذا السلام الهش تبدّد صباح الأحد، حين شنت إسرائيل سلسلة غارات جوية على مختلف مناطق القطاع، بعد أن قالت إن مقاتلين من حركة حماس هاجموا قواتها في جنوب غزة.
وقال بابا، البالغ من العمر 48 عامًا من بيت لاهيا شمال القطاع: "شعرت بأن الإحساس الزائف بالأمان الذي كنا نتشبث به قد انتهى، بالكاد بدأنا نتحرك بحرية نسبية بين المناطق، وها نحن نعود مجددًا إلى الخوف والحذر".
وتبادلت إسرائيل وحركة حماس الأحد الاتهام بالمسؤولية عن خرق اتفاق وقف إطلاق النار.
وأصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليمات لقوات الأمن "بتحرك قوي ضد الأهداف في قطاع غزة"، متهما حركة حماس بانتهاك وقف إطلاق النار.
لكن حماس ردت بأنها ملتزمة وقف إطلاق النار وأنها ليست على علم بوقوع اشتباكات في رفح. واتهم عضو مكتبها السياسي عزت الرشق إسرائيل بـ"خرق الاتفاق واختلاق الذرائع الواهية لتبرير جرائمه".

مارس يعيد نفسه؟

تسعة أيام فقط مرت على سريان الهدنة، لكن القلق يتزايد بين الفلسطينيين في غزة من أن تنهار في أي لحظة وتعود الحرب إلى كامل قوتها.
هذا الشعور ليس جديدًا، فقد شهدوا الأمر ذاته في مارس الماضي، حين انهار وقف إطلاق النار بعد أن استأنفت إسرائيل القصف ورفضت الانتقال إلى المرحلة الثانية من الهدنة التي كانت ستنهي الحرب بشكل دائم.
وسارعت عائلات فلسطينية إلى شراء المستلزمات من سوق رئيسية في مخيم النصيرات خوفا من انهيار الهدنة، بينما غادرت أخرى منازلها في خان يونس جنوبا، بعدما استهدفت غارات جوية مناطق قريبة منهم.
تشير التطورات الحالية إلى أوجه شبه كبيرة مع ما حدث في مارس، إذ اتفقت إسرائيل وحماس على المرحلة الأولى من الهدنة لتسهيل عودة الأسرى الإسرائيليين، لكن خلافات عميقة لا تزال قائمة حول تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الأميركية التي تهدف إلى وقف دائم لإطلاق النار.
يوم الأحد، تساءل كثير من سكان القطاع عما إذا كانت الهدنة لا تزال قائمة أصلًا، بعدما شنت إسرائيل موجة من الغارات استهدفت جنوب وشمال ووسط غزة، زاعمة أنها جاءت ردًا على هجوم نفذته حماس ضد جنودها في وقت سابق من اليوم ذاته.
وقال بابا بقلق: "أخشى أن ينهار وقف إطلاق النار في أي لحظة، خصوصًا الآن. فمنذ بدايته، لم يمر يوم واحد دون وقوع هجمات أو ضحايا، ومع ذلك، لا نستطيع أن ننطق بكلمة واحدة".

ترامب: وقف إطلاق النار ما زال قائما

وبعد "تصعيد الأحد"، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إن الهدنة في غزة ما زالت صامدة رغم الغارات الإسرائيلية.
وقال ترامب لصحافيين في الطائرة الرئاسية عندما سئل عما إذا كان وقف إطلاق النار ما زال قائما "نعم إنه كذلك"، مشيرا إلى أن قيادة حماس لم تكن متورطة في أي خروق وألقى باللوم على "بعض المتمردين داخل الحركة".
وأعرب ترامب عن أمله في أن يصمد وقف إطلاق النار الذي ساهم في التوصل إليه وقال "نريد التأكد من أن الأمور تسير بشكل سلمي جدا مع حماس".

ضغوط أميركية

وقال مصدر أمني إسرائيلي لرويترز إن المساعدات الداخلة إلى القطاع من المزمع استئنافها الاثنين عقب ضغوط أميركية، وذلك بعد فترة وجيزة من إعلان إسرائيل وقف دخول الإمدادات ردا على ما قالت إنه انتهاك "صارخ" للهدنة من جانب حماس.
وقال سكان في غزة ومسؤولون في قطاع الصحة إن الغارات الجوية الإسرائيلية ونيران الدبابات في أنحاء القطاع أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 26 شخصا، بينهم امرأة على الأقل.

تشييع قتلى الهدنة

وفي مدينة غزة يوم السبت، أقيمت جنازة لعائلة قُتلت في غارة إسرائيلية قبل يوم واحد. كانت السيارة تقل عائلة من آل أبو شعبان أرادت تفقد منزلها في المدينة، لكنها تجاوزت خط الانسحاب الذي يحدد مناطق وجود القوات الإسرائيلية داخل القطاع. أطلقت الدبابات الإسرائيلية قذيفتين على السيارة، ما أدى إلى مقتل 11 شخصًا من العائلة، بينهم سبعة أطفال.
وقالت أم محمد شعبان، وهي تحضر جنازة أفراد عائلتها: "أشلاء... أشلاء فقط. تمزقوا جميعًا، لا أعرف إن كنت أودع ابني أم ابنتي".
ولا تزال القوات الإسرائيلية تحتل نحو 50% من مساحة غزة، وفق خرائط تُظهر بخط أصفر سميك الحدود التي يمكن للمدنيين التحرك داخلها خلال المرحلة الأولى من الهدنة.
وأكد مسؤولون في الدفاع المدني أنه لا توجد وسيلة واضحة لمعرفة متى يتجاوز السكان هذا الخط.
وفي وقت لاحق، أعلنت السلطات الإسرائيلية أنها ستبدأ بوضع كتل إسمنتية كبيرة لتحديد هذا الخط ميدانيًا.

هدنة على الورق؟

وقال أحد الرجال الذين حضروا جنازة عائلة أبو شعبان: "الهدنة هشة، هي فقط على الورق. أما على الأرض، فنحن نموت. هذه هي الحقيقة. إنها هدنة بلون أحمر، كلها دم."
ورغم يوم العنف الدامي، لا يزال كثير من الفلسطينيين يتمسكون بالأمل في أن يتمكن الطرفان من تجاوز خلافاتهما وأن تصمد الهدنة، ففكرة عودة القصف الإسرائيلي بعد فترة قصيرة من الهدوء، تبدو كابوسًا لا يُحتمل.
وقال البابا في ختام حديثه: "آمل أن يستمر وقف إطلاق النار، وأن تتحسن حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حتى نتمكن يومًا ما من العودة إلى وطننا. أعلم أن الشمال أصبح منطقة كوارث لا تصلح للعيش، لكننا ما زلنا نملك إرادة إعادة البناء والبدء من جديد. وهذا لن يحدث إلا إذا استمر وقف إطلاق النار".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة