سياسة

استراتيجية "التظاهر بالقوة".. "فخ إيراني" لردع ترامب؟

نشر
AP
تشهد العلاقات بين إيران والولايات المتحدة توترا متزايدا، حيث تلوّح طهران بإمكانية التفاوض في ظل استمرار الضغوط الاقتصادية والعسكرية.
في المقابل، تتابع واشنطن استراتيجيتها في فرض العقوبات والتلويح بالتصعيد، مما يجعل مستقبل العلاقات بين البلدين مفتوحا على عدة احتمالات، بحسب تقرير للدكتور بيهنام بن تاليبو، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأميركية، الذي يخلص إلى إن طهران تنصب فخا لإدارة الرئيس دونالد ترامب.
وبدت أحدث التصريحات الصادرة عن المرشد الإيراني علي خامنئي، وكأنها تُبدد فكرة التفاوض مع الولايات المتحدة، أو هكذا يبدو الأمر.
فبعد تنصيب الرئيس ترامب، أعطى خامنئي ضوءا أخضر للمحادثات ولم يُبدِ معارضة للحملة المكثفة التي قادها مسؤولوه للترويج للمفاوضات.
ويتساءل تاليب: ما الذي يجري إذن؟ ويجيب قائلا إن تراجع خامنئي ومواقفه المتوازنة لهما جذور عميقة، ظهرت بوضوح خلال المفاوضات النووية في عهدي الرئيس الأسبق باراك أوباما والرئيس السابق جو بايدن.
يشرح أن خامنئي يسعى لتعزيز سلطته دون تحمل المسؤولية، وغالبا ما يلجأ إلى المراوغة أو فرض شروط على القرارات السياسية الكبرى، مثل إبرام الاتفاقيات مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن تصريحاته الأخيرة ستُضيق بشدة مساحة المناورة السياسية في طهران، فإنها لا تعني بالضرورة أن بلاده لن تتفاوض.

رفع سقف المطالب من واشنطن

وفي سعيه لاستغلال رغبة ترامب المتكررة في التوصل إلى اتفاق، يعمل خامنئي فعليا على رفع سقف المطالب، بينما يواصل مسؤولوه التلميح بحذر إلى إمكانية التفاوض، لكن المفاوضات هنا ليست وسيلة لحل المسألة النووية الإيرانية سلميا، بل أداة للحد من استعادة العقوبات القصوى وتقليل احتمالات التعرض لهجوم إسرائيلي أو أميركي.
وفي نهاية المطاف، لا تستطيع إيران تحمل 4 سنوات أخرى من تصاعد العقوبات الاقتصادية أو خطر الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة.

ضربات للمحور الإيراني

في الشرق الأوسط، فقدت إيران حليفها الوحيد على مستوى الدول، إذ انهار نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في سوريا، أما وكلاؤها، مثل حماس وحزب الله، فقد تعرضوا لـ"عدة ضربات خطيرة"، وفقا لوزير الخارجية الإيراني.
وداخليا، أُصيبت الدفاعات الجوية الاستراتيجية الإيرانية بعيدة المدى، التي زودتها بها روسيا، بالشلل بسبب عملية عسكرية إسرائيلية ناجحة. وزادت الأزمة سوءا مع تصاعد أزمة الطاقة والعملة في البلاد، مما يهدد بإعادة المواطنين الساخطين والمناهضين للنظام إلى الشوارع للاحتجاج.
وللتعويض عن ذلك، تلجأ إيران إلى الصين، لشراء المزيد من النفط الخاضع للعقوبات، بينما تواصل زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب، وهو المادة الانشطارية اللازمة لتطوير سلاح نووي. كما يُقال إنها تستكشف مسارات أسرع للوصول إلى القدرة النووية. وبينما تسعى طهران إلى بناء أوراق ضغط، فإنها تأمل في أن تسىئ واشنطن تفسير ضعفها وخوفها وتعتبرهما حسن نية وضبط نفس.

تهدئة في العراق واليمن

في سياق آخر، لم تستهدف الفصائل الموالية لإيران في العراق المواقع الأميركية في العراق أو سوريا منذ نوفمبر 2024، وهو الشهر الذي أعيد فيه انتخاب ترامب رئيسا. كما أن الحوثيين، أفرجوا مؤخرا عن طاقم ناقلة نفط كانوا قد احتجزوها قبل أكثر من عام في اليمن.
وأفرجت طهران أيضا عن امرأة ألمانية-إيرانية مسنة كانت تحتجزها لمدة 4 سنوات، كما استفادت من جولة جديدة من "دبلوماسية الرهائن" مع الإيطاليين، وأعادت جثمان رهينة مزدوجة الجنسية أخرى كانت قد أعدمتها.
ويقول تاليب إنه هنا يأتي الانعكاس الأبرز للأدوار.

التنصل من محاولة اغتيال ترامب

في محاولة لجعل فرص التفاوض مع ترامب أكثر جاذبية على المستوى الشخصي، حاول الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، التنصل من مخطط طهران لاغتياله، قائلا: "لم نحاول ذلك أبدا منذ البداية، ولن نفعل ذلك أبدا". يأتي هذا التصريح على الرغم من تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي، FBI، التي كشفت عن مخطط إيراني لاستهداف ترامب عام 2024، بالإضافة إلى تهديد مسؤولين عسكريين إيرانيين بإعادة تأكيد تهديد سابق بقتله عام 2023.
هذا التراجع الظاهري عن كل ما يتعلق بترامب يعد أوضح مؤشر على شعور إيران المتزايد باليأس، بحسب التقرير، فعداء إيران لترامب عميق الجذور، وربما يفوق عداءها لأي رئيس أميركي آخر في التاريخ. والسبب في ذلك يعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية.

مساندة الاحتجاجات داخل إيران

أولا، ترامب هو الرئيس الغربي الذي كسر المحظور بدعمه العلني للشعب الإيراني في كل مرة خرج فيها إلى الشوارع احتجاجا على حكامه. فتغريداته وتصريحاته بين عامي 2017 و2020 كانت على النقيض تماما من رد الفعل الفاتر للرئيس أوباما تجاه احتجاجات 2009، والتي دفعت المتظاهرين إلى الهتاف: "أوباما، أوباما، هل أنت معنا أم معهم؟".
وقبل ترامب، كان يُنظر إلى الدعم الغربي، حتى لو كان مجرد تصريحات، على أنه "قبلة الموت". أما بعد ترامب، فقد بات قادة المعارضة أكثر جرأة في تبني المنابر الخطابية وحتى العقوبات.

سياسة الضغط القصوى

ثانيا، كانت سياسة الضغط القصوى التي انتهجها ترامب خلال ولايته الأولى فعالة، حيث وصفها مسؤولون إيرانيون بأنها أشد تدميرا اقتصاديا من الحرب التي خاضها النظام ضد العراق لمدة 8 سنوات بين 1980 و1988.
وألحقت قرارات ترامب ضررا اقتصاديا غير مسبوق باقتصاد إيران وصادراتها النفطية بسرعة قياسية، ومن دون الحاجة إلى دعم دولي.

اغتيال سليماني

ثالثا، كان ترامب الرئيس الأميركي الذي أعطى الأوامر باغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.
هذه الخطوة، التي يُقال إن إدارة بوش امتنعت عن اتخاذها سابقا، شكّلت ضربة استراتيجية ونفسية قاسية لإيران، ما جعلها في حالة من عدم التوازن، تجلت تداعياتها بوضوح في مواجهة إسرائيل بعد السابع من أكتوبر.
ويقول تاليب إنه لكل هذه الأسباب، فإن الرسائل المتضاربة التي ترسلها إيران ليست مؤشرا على تغيير حقيقي في سلوكها، بل مجرد محاولة لإنقاذ نظام متعثر.
وبدلا من التسرع في التفاوض وخسارة أوراق الضغط، يمكن لترامب تعزيز موقفه التفاوضي باستغلال شعور طهران بالضعف الحالي. ويكون ذلك عبر تشديد العقوبات، خاصة على مبيعات النفط إلى الصين، مع تصعيد المخاوف الإيرانية من تحركات عسكرية أميركية وإسرائيلية، وفي الوقت ذاته، تقليل الحديث العلني عن أي مفاوضات. بمعنى آخر، ينبغي جعل النظام الإيراني يشعر بالضغط وترك سياسة "الحد الأقصى من الضغط تؤتي ثمارها".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة