سياسة
على بعد كيلومترات من دمشق، ترتفع أصوات الدبابات الإسرائيلية وهي تقترب شيئاً فشيئاً من العاصمة السورية التي تعيش أياماً عصيبة. للمرة الأولى منذ 42 عاماً، حينما دخلت الدبابات الإسرائيلية بيروت في 1982، تقف قوات الاحتلال الإسرائيلي على مشارف عاصمة عربية أخرى، مستغلة الانهيار الشامل للنظام السوري وتفكك جيشه.
رغم تأكيدات الجيش الإسرائيلي بأن تحركاته تقتصر على المنطقة العازلة، إلا أن الحقائق على الأرض تروي قصة مختلفة. التوغل الإسرائيلي إلى مواقع استراتيجية، مثل منطقة قطنا جنوبا، يعكس طموحات أبعد من مجرد تأمين الحدود، هذه المواقع تمنح إسرائيل السيطرة على المنطقة الجنوبية بأكملها، مما يسمح لها بمراقبة التحركات العسكرية لخصومها التقليديين، كإيران وحزب الله.
لكن إسرائيل ليست وحدها. في الشمال، تتحرك القوات التركية بحذر محسوب، متوغلة أكثر فأكثر داخل الأراضي السورية. الفصائل المدعومة من أنقرة تقترب من نهر الفرات، وتعمل على إنشاء مناطق عازلة تمتد إلى الرقة والحسكة. بينما تبدو الذريعة أمنية، تتعلق بمواجهة التهديد الكردي، إلا أن المشهد يحمل أبعاداً أوسع، ترتبط بالطموحات التركية في استعادة "النفوذ العثماني القديم" وتعزيز المكاسب الاقتصادية.
يرى خبراء أن سقوط نظام بشار الأسد فتح الباب على مصراعيه أمام القوى الإقليمية. إسرائيل، وفقاً لما صرح به الخبير العسكري العقيد الركن عبد الجبار العبّو لمنصة بلينكس، هي المستفيد الأكبر. السيطرة على مناطق مثل الجولان وجبل الشيخ، لا تعزز فقط موقعها الاستراتيجي، بل أيضاً وسيلة للحد من نفوذ إيران وقطع خطوط إمداد حزب الله.
أما تركيا، فقد وظفت انهيار النظام السوري لتعزيز أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية. المناطق التي أنشأتها في الشمال ليست فقط حصناً ضد الأكراد، بل أيضاً بوابة لإعادة اللاجئين السوريين واستغلال الفرص الاقتصادية لإعادة الإعمار. شركات البناء التركية تستعد لتكون في طليعة المشاركين في إعادة إعمار المدن الكبرى مثل حلب.
المشهد الحالي يعكس إعادة تشكيل كبرى لخريطة النفوذ في المنطقة. في الجنوب، تتحول سوريا إلى حزام أمني تهيمن عليه إسرائيل، بينما في الشمال، تكرّس تركيا وجودها العسكري والاقتصادي. وبين الطموحات التركية والإسرائيلية، تبدو سوريا الغارقة في الفوضى ساحة صراع مستباحة، يتحرك فيها اللاعبون الإقليميون بحرية لتحقيق أهدافهم على حساب وحدة أراضيها ومستقبل شعبها.
في هذا السياق، تبرز تساؤلات حول مستقبل سوريا كدولة موحدة، وكيفية تأثير هذه التحركات على التوازنات الإقليمية. مع استمرار التوغل الإسرائيلي والتركي، تتزايد المخاوف من تقسيم فعلي للبلاد، وتحولها إلى مناطق نفوذ متصارعة، مما يعمق الأزمة الإنسانية والسياسية التي تعصف بها منذ سنوات.
© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة