صراعات
أثارت مشاهد سقوط المحافظات السورية تباعا بيد المعارضة المسلحة بداية من حلب وحتى دمشق، صدمة، خصوصا بعد انسحاب الجيش من مراكز هامة وقواعد عسكرية دون أي قتال. ومع تعدد التفسيرات حول أسباب الانهيار كشفت مصادر وجنود من الجيش السوري لبلينكس أن ظاهرة "التفييش" أو ما يعرف بـ"الجنود الفضائيين" كانت أحد أبرز الأسباب التي أدت لانهيار الجيش.
مصطلح "التفييش" يعني أن يدفع الجندي مبلغا ماليا للضابط المسؤول عنه في الوحدة العسكرية مقابل تغيبه عن الخدمة، وهي الظاهرة التي كانت معروفة في العراق باسم "الجنود الفضائيين".
الرقم الإجمالي للجنود السوريين المتورطين في "التفييش" غير معروف، لكن مصدرا في فرع الأمن العسكري بمحافظة حلب، قال لبلينكس إن هناك أكثر من 50 ألف حالة تفييش.
بعد دفع المقابل المالي، أو التفييش، يتم تسجيل الجندي حاضرا في سجلات الوحدة العسكرية، أو يخرج تحت مسمى "مهمة مفتوحة" بموافقة من الضابط المسؤول عنه.
الجندي السابق بالجيش السوري أسامة نصري، يقول إن الظاهرة كانت متفشية حتى قبل عام 2011، لكنها تفاقمت مؤخرا بسبب الأزمة الاقتصادية التي عصفت بسوريا عقب الحرب. ويضيف الجندي السابق لبلينكس أن الضابط يتقاضى مبالغ مالية تصل لـ300 ألف ليرة سورية (حوالي 60 دولار) من الجندي مقابل عدم حضوره نهائيا بالإضافة لراتب الجندي نفسه.
وفي كل سلاح من أسلحة الجيش توجد العشرات من حالات التفييش، حيث يصبح الداخلون فعليا بالخدمة أقل من 40٪، حسب نصري.
إسماعيل رامز، جندي آخر يقول إنه كان يدفع حوالي 200 ألف ليرة سورية لأحد الضباط في الفرقة السابعة مقابل عدم حضوره، بالتوازي مع ذلك تفرغ رامز لعمل خاص كان يجني من خلاله ضعف هذا المبلغ، حسب ما يشرح لبلينكس، ويشير رامز إلى أن أفرع المخابرات شددت رقابتها على مختلف الأفرع بالجيش، ما دفع معظم الضباط لرفع قيمة المبالغ التي يتقاضونها من الجنود، ومَن يعجز عن الدفع، يخدم في وحدته العسكرية، كما أحيانا يغطي غياب زملائه الذين يدفعون مقابل "التفييش".
بلغ متوسط مبلغ "التفييش" في العام الماضي 250 ألف ليرة سورية شهريا، بالإضافة إلى راتب العسكري كاملًا، بينما بلغ 500 ألف ليرة سورية بخلاف الراتب منذ مطلع العام الحالي. وكلما تغير قائد الوحدة العسكرية يرتفع المقابل خصوصا مع تدهور الوضع الاقتصادي، بينما يكون التفييش في الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري بغرامات من الذهب أو يُدفع بالدولار.
وفي أواخر عام 2022، أصدر الرئيس السوري السابق بشار الأسد، مرسومًا تشريعيًا لتعديل أجور ومعاشات العسكريين.
وحدد المرسوم راتب الضابط برتبة ملازم أول بـ116 ألف ليرة سورية (17 دولارا، بأسعار سعر الصرف آنذاك).
تجربة سابقة لنظام التفييش السوري، وقعت بالعراق تحت اسم مختلف "عشرات الآلاف من الجنود الفضائيين"، الذين كانوا سببا رئيسا في سقوط المدن بيد تنظيم داعش عام 2014. وينقسم "فضائيو الجيش العراقي" إلى نوعين:
جنود بالجيش العراقي، قالوا لبلينكس إن الوحدات العسكرية كانت تعج بالفضائيين، حيث يعقد مقربون من الضباط تلك الصفقات وغالبا ما تكون بتنازل الجندي عن راتبه مقابل إجازة لشهر كامل من آمر الفوج أو السرية.
عبد الكريم خضر جندي سابق في الجيش العراقي بالموصل، قال إن أحد الفضائيين كان نفسه هو السائق الذي ينقل الجنود إلى مدنهم، وهذا لم نكتشفه إلا بعد عودته للدوام معنا عقب رحلات توصيل لعام كامل.
وفي عام 2014 قدر نائب الرئيس العراقي حينها إياد علاوي، عدد الجيش الفضائي في العراق بنحو ربع مليون جندي فضائي، وليس 50 ألفا كما أعلن رئيس الحكومة وقتها حيدر العبادي.
© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة